احياء الدعوات الهدامة والنزاعات الجاهلية (تابع لموضوع وسائل الغزو الثقافي)

رابعاً :

احياء الدعوات الهدامة والنزاعات الجاهلية

ويقصد بها احياء النزعات القومية والاقليميه والعصبيات القبلية التي عرفت قبل الاسلام ،بإعتبارها من مخلفات الجاهلية التي قضى عليها الاسلام ، وقد عمد اعداء الاسلام الى احياء هذه النزعات بين المسلمين من جديد لاضعاف اثر رابطة العقيدة الاسلامية في نفوسهم ومن ثم تفريق صفوفهم واضعاف قوتهم بسبب تزاحم وتعارض هذه النزعات مع بعضها البعض وبالتالي انقسام الأمة الى اشلاء مبعثرة ومتفرقة،مما يمزق وحدة فكرها ويقضي على دينها.

والنزعة الوطنية والقومية تجعل المسلم يفكر في وطنه قبل عقيدته بل ويقدم الكافر اذا كان من عنصره او وطنه على المسلم في بلد آخر بل ويسميه اجنبياً ويعامله معاملة الاجانب.

ان هذه النزعات الجاهلية التي تنادي بالقومية والاقليميه والوطنيه قد غذاها المستشرقون وزرعوها في ادمغة طلابهم فهذا(حبيب كوراني) الاستاذ في الجامعة الامريكيه يقول(لا بد لاي اصلاح اسلامي ديني يهدف الى تقريب المسلمين من الحضارةِ الحديثة من ان يأخذ في الاعتبار الفلسفة الكلاسيكية والفلسفه المسيحية والفلسفة الاسلامية في العصور الوسطى)الاسلام والحضاره الغربيه ص124 .

وكلام (حبيب كوراني) هذا يلتقي مع ما يقوله( غب ) (Gibb) في كتاب (whither islam ) (الى أين يتجه الاسلام) حين يتساءل (هل روابط الوحدة من القوةِ بحيث نستطيع ان نحتفظ بتضامن العالم الاسلامي ونسيطر على مظهر شعوبه وتطورهم وتميزهم بطابع خاص..؟؟ أم ان الآراء الغربية وحاجات الحياةِ الحديثةِ ستنجح أخر الامر في تشتيت المجتمع الاسلامي وتحطيم وحدته؟؟؟)

وهذا عينه هو ما تشير اليه كلمات ( ضياكو كالب)الخبيثة التي تلبس ثوب القومية التركية حين قال (أن على تركيا أن تتخد مدنية الغرب وأن تحتفظ بثقافتها القومية) وهذا ما قاله بوضوح(كويلر بنغ) في تعليقه على بحث (لويس توماس) (فيقول أنه استطاع أن يرسم الخطوط العريضة للظروف التاريخية والاجتماعية للحركة التي انتهت بالزعماء الاتراك المحدثين الى تحقيق مبدأ (تركيا للاتراك) هذا المبدأ الذي ساد اغلب شعوب المنطقه).

ولم يكتفِ المستشرقون وتلامذتهم بهذا فحسب بل لقد نعق غربانهم ونادوا بالفرعونية وهي دعوة قومية سادت مصر وتقوم على احياء ما قبل الاسلام من لغة وتراث وأدب ونادوا بالامةِ المصرية وأن مصر للمصريين.

ونادى قسم منهم بالفارسيه والاعتزاز بتاريخ فارس واحياء ذكرى(قورش) وتهدف هذه النزعه الى سلخ ايران عن البلاد الاسلامية وتخليها عن الفكر الاسلامي وبذر الوقيعة والخلاف بينهما وبين المسلمين في البلاد العربية وتعميق الخلاف بين السنة والشيعة والفكر التكفيري.

وقد أنشأ او ساعد على انشاء مدارس فكرية تدعوا الى الخلط بين القومية والوطنية والاسلام خلطاً يحصل فيه التشتيت الفكري بين مؤيد للغرب ومعارضٍٍ له معارضة صُوريه وكان من دعاتهم (سعد زغلول)و(طه حسين)و(محمد عبده)و(الافغاني)ومن تلاميذهم(ساطع الحصري)(قسطنطين زُريق)وقد أفرزت هذه الدعوات التي نادى بها هؤلاء وأمثالهم احزاباً قومية ووطنية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب القومي السوري وغيرها من الاحزاب التي لا تمت الى حضارةِ هذه الامة بشيء.

ويقول (ميشيل عفلق) في كتابه (معالم الاشتراكيه والرساله الخالده 309-308)1946(فمشكلتنا هي القضية القومية لكل امةٍ في مرحلة معينه من مراحل حياتها محرك اساسي يهز اعماقها ويفجر فيها ينابيع النشاط والحيوية والحماسه ويتفتح له قلبها وهو بمثابة نقطة يتركز فيها انتباه الامة وتكون مفصحةً عن اعماق حاجاتها في مرحلة ما.

فإذا نظرنا الى العرب في الماضي وجدنا هذا المحرك الاساسي كان في وقتٍ ما- عند ظهور الاسلام-هو الدين فقد قدر وحده على استـثارةِ كوامن القوى في النفس العربيه)ثم يقول (اما اليوم فإن المحرك الاساسي للعرب هو القومية التي هي كلمة السر التي تستطيع وحدها أن تحرك اوتار قلوبهم)ويقول في كتابه في سبيل البعث ص174(أن البعث العربي حركه قوميه تتوجه الى العرب كافه على اختلاف اديانهم ومذاهبهم،وتقدس حرية الاعتقاد ،وتنظر الى الاديان نظرة مساواةٍ في التقديس والاحترام، ولكنها ترى الى جانب ذلك في الاسلام ناحية قومية لها مكانتها الخطيرةُ في تكوين التاريخ العربي والقومية العربية) .

وقد كان القاسم المشترك بين كل هذه الدعوات هو تبديد الطاقات فيما لا جدوى منه ولا فيه وازكاء الدعوات التي تؤدي الى التقسيم وزرع الفرقة بين المسلمين فكان المسلمون هم الشاهد الامثل لتطبيق سياسة(فرق تسد) ولم يعد شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)يوافق (العصرنه) فاستعيض عنه بشعار(نفط العرب للعرب) ثم تبدل وتغير وأصبح الشعار(نفط الخليج للخليج) ثم تبدل هذا الشعار وأصبح كل قطر أو كنتون يرفع شعار(نحن اولاً)فالاردن للاردنيين وفلسطين للفلسطينيين والكويت للكويتيين، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تعداه لداخل القطر الواحد فهذا شمالي وهذا جنوبي وهذا من قبيلة كذا وهذا من غيرهم وهذا من الاشراف وهذا تجنس قديماً وهذا حديثاً وهذا وافد وهذا موالاة وهذا معارضه وهذا اما زيغي وبربري وعربي.

وقد اخذ التشتيت طابع العراقة وأصبح للحدود بين المسلمين صبغة التقديس فالكويتي ينظر للعراقي نظرة الريبة وكذلك الاردني للفلسطيني والمصري للسوداني ولقد انعكست العلاقات بين الانظمة على الشعوب انعكاساً سيئاً بفعل هذه الدعوات الهدامة وما افرزته من صياغةِ عقول تستوعب التلفيق تحت شعارات التقدم والحداثه وتجديد الفكر الديني وموافقة العصر وهذا ما قاله( قسطنطين زريق) حين يسمي احتفاظ المسلمين بطابعهم وتمسكهم بشخصيتهم وبمقومات هذه الشخصية،يسمي ذلك(إنعزالاً) ويصفه بأنه (انطواء) على النفس(ورجعية وضيق افق) وذلك حين يتساءل(هل ستكون القومية العربية ضيقة الافق ام بعيدة النظر؟؟؟ متسامحة ام منعزله؟؟؟ تقدمية ام رجعية....) ثم يقول اخطر من ذلك(لقد ربط العلم التطبيقي اجزاء العالم المختلفة وشعوبه بعضها ببعض،ومن اليوم فصاعداً لن يكون هناك إلا عالم واحد او لا عالم.ولن يكون الا حضارةً واحدة او لا حضاره).

والخلاصة ان عملية ترويض الامة وتمييع مفاهيمها تتم بإدخال نظم حياة لم يعهدها المسلمون من قبل تحت حماية انظمة الحكم القائمة في العالم الاسلامي وادخال ثقافاتٍ جديدةٍ تحت شعاراتٍ لمَاعة تستقطب الجهلة ومتسولي العلم ويترافق هذا الامر مع عملية تدمير منظم مدروس للمفاهيم الاسلامية بل ومحاربتها تحت شعارات الارهاب والتطرف .

ان عملية التدليس الفكري التي يروج لها بل ويسوقها(علماء السلاطين)حين خلطوا بين الحضارةِ والمدنية وما يجوز اخذه وما لا يجوز ومساعديهم من المضبوعين بثقافة الغرب بإعتباره عندهم مصدر الالهام الفكري والحضاري،كانوا هم الابواق التي تنادي لترويج هذه الافكار عبر ماكنة النظام الاعلامية بحيث تعمل على حشو العقول المريضة بهذه الدعوات والتفاهات وصدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال(ان اخوف ما أخاف على امتي من بعدي أعمال ثلاثة: لا اخاف جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف على امتي أئمة مضلين، ان اطاعوهم فتنوهم وان عصوهم قتلوهم)عن أبي امامة.

ان الاسلام قد صهر في بوتقته كل من دخل فيه فلم توجد داخل المجتمع الاسلامي قومية عربية او اعجمية او فارسيه،ولا يوجد عرق أبيض أو أحمر أو أسود،فكل من دخل الاسلام اصبح مسلماً له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ولا فرق بين هذا وذاك إلا بالتقوى.

وأما غير المسلمين فهم أهل ذمة لاتحفزمن قبل المسلمين ولا من قبل الدولة فهذا (البابا شنوده)-البابا الحالي لكنيست القبطيه في مصر يعلن(ان الاقباط في ظل حكم الشريعة يكونونَ اسعد حالاً وأكثر امنا،ولقد كانوا كذلك في الماضي ،حينما كان حكم الشريعة هو السائد.....نحن نتوق الى ان نعيش في ظل (لهم ما لنا وعليهم ما علينا).عن كتاب الاسلام والسياسه لمحمد عماره ص 173 .

ان ما حدث داخل المجتمع الاسلامي حين بنيت الدولة امر لم يحدث من قبل ولم تسمع به الامم،فكل من دخل الاسلام اصبح هو نفسه المدافع عنه والحامي له...حتى الذين دخلوه من غير العرب (كالبخاري)و(مسلم)(وطارق بن زياد)وقد كانت المؤاخاة في العقيدةِ في قول الحق(إنما المؤمنون اخوه) 10الحجرات هي الصورة الحقيقة لهذا الصهر في بوتقة المبدأ،فكانوا جزاء ما حملوا هم اهل الشورى وهم الاولياء في النصرة.

لقد كانت العقيدة الاسلامية والولاء لها هي الرابطة الاقوى دون غيرها من روابط الجنس والارض واللون واللغة والمصالح والحدود....وقد دفعت هذه العقيدة حامليها على الرغم من اختلاف اعراقهم وألوانهم لان يتوحدوا في الدفاع عنها وفي نشرها،فتكونت هذه الكتلة المتجانسة المصهورة في بوتقة المبدأ.... فانتجت حضارة وأنبتت دولة لا منازع لها.

لقد اجتمع داخل هذا المجتمع المتجانس العربي والفارسي والرومي والبربري والتركي والهندي والصيني والافريقي وحملوا نفس الافكار والمفاهيم وتوحدوا عليها،فكانت المشاعر والاحاسيس تنبثق عن المفاهيم الواحده،وكلهم يدافعونَ عن الاسلام ونظامه دفاعهم عن وجودهم ولم يكن هذا المجتمع يوماً مجتمعاً عربياً بل كان دوماً مجتمعاً اسلامياً، ولم تكن هذه الثقافة يوماً ثقافة عربية بل كانت دوماً ثقافة اسلامية.

إرسال تعليق

0 تعليقات