الدليل
1. الدليل : من الفعل دَلَلَ وهو المعرفة والإهتداء كقولك دله على الطريق: هداد وعّرفه في قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً}الفرقان45 ؛ يعني أنّا هدينا العقول الى معرفةِ وجوده بأن اطلعنا الشمس فكانت دليلاً على وجود هذه النعمة.
إن المهتدي يهتدي بالهادي والدليل ملازمه فكل من اراد الاهتداء احتاجَ الى هادٍ يهديه فكان الدليل هو الهادي والمُعرِّفْ فإذا لم يوجد الهادي ضل المهتدي وتاه وقد كان الرسل جميعاً هداةً لأقوامهم يدلونهم على الخير ويعرِّفونهم في قوله تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }الإنسان 3 ، وقوله تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }البلد10.
فكان السؤال الذي يطرح نفسه هو كم عدد الأدلة التي يحتاجها الإنسانُ حتى يهتدي ويعرف الطريق..؟؟؟
لقد قال العرب قديماً أن البعر يدل على البعير والأثر يدل على المسير بمعنى أنه لم يلزمهم إلا دليل واحد يدلهم على البعير والأثر دليل واحد يدلهم على المسير, فإذا كثرت الأدلة بعد وجود الدليل الأول فلا عبرةَ لكثرتها أو قلتها لحصول العلم والاهتداء بالدليل الأول وإنما تكون فائدة كثرتها طمأنينة النفس وسكون الصدر في قوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}البقرة259
إن التصديق الجازم والذي يمكن أن يُتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري والذي يتعلق بالعقيدة حول أن هذا الكون مخلوق لخالق أوجده من عدم وأن الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو رسول الله وأن هذا القرآن من عند الله لا يحتاج لأكثر من دليل واحد يحصل العلم بصحيح النظر فيه بكون هذا الخلق له خالق وهكذا يُصارُ إلى ايجاد العقيدةِ عند من حصل له العلم.
وفي حديث البخاري في صحيحه (3938) عن انس بن مالك أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم الرسول صلى الله عليه واله وسلم المدينة فأتاه يسأل عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟؟، وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟؟؟ وما بال الولد ينـزع إلى أبيه أو إلى أُمه ؟؟؟ قال أخبرني به جبريل آنفا, قال ابن سلام ذلك عده اليهود من الملائكة, قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب, وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزبادة كبد الحوت, وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نَزَعَ الولد, وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد, قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, قال يا رسول الله إن اليهود قوم بُهْت,فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي, فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أي رجل عبد الله بن سلام فيكم..؟؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا و ابن أفضلنا, فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام , قالوا أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك,فخرج عليهم عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن ومحمد رسول الله, فقالوا: شرنا وابن شرنا وتنقصوه, قال هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وصدق الله {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89
2. إن المسلم عندما يقرأ قول الحق سبحانه و تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }المائدة78 ، ويقرأ قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }آل عمران118، لا يداخله شك في هذا مطلقاً ولا يحاول أن يفرق بين أهل كتاب وأهل كتاب ولا بين كافر وكافر ولا يلوي عنق النص لياً ليستخرج منه ما يوافق هواه أو ليثبت سماحة الإسلام ومسايرته للعصر, بل يأخذ ما يقرأ أخذاً عقائدياً لأنه دليل شرعي ولا يحتاج لهذا الأمر لأكثر من دليل واحد وعندما يقرأ قول الحق {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}فاطر6 ، يعلم ويدرك إدراكا عقائدياً أن الشيطان و أولياءه في النار ولا يحتاج في ذلك لأكثر من دليل وعداء الكفار للمسلمين ظاهر ولا يحتاج لأكثر من دليل.
إن السحرةَ من قوم فرعونَ عندما جاءوا فرعون قالوا له { َلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ{41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ{42} ، فقد وعدهم فرعون بالأجر والتقريب منه إن هم غلبوا موسى فشدوا أزرهم بقول فرعون و زادت همتهم وكذلك فرعون فقد شدّ أزره بالسحرة فقال لموسى {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى }طه58 ، فأراد أن يتحدى موسى أمام الناس فرد عليه موسى {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى}طه59
فكان الموقف موقف تحدٍ من فرعون والملأ والسحرةِ من جانب وموسى من جانبٍ آخر والناس مجتمعون ورأيهم غير ثابت يقول قائلهم {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}الشعراء40, وفي خضم هذه الأحداث وضخامة الموقف يقول السحرة بتحدٍ واضح {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى }طه65 فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ{44} فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{45} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{48} الشعراء .
لم يحتج السحرة لأكثر من دليل واحدٍ ليهتدوا إلى الحق ويعلموه حتى امنوا ولو تمعَنا قليلاً بفاء الترتيب والتعقيب لعلمنا أن الأمر تم بسرعةٍ وتتابع فلم تعقد اجتماعات على مستوى القمة ولا على مستوى القاعدة بل حصل عندهم الإيمان { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47}.
لقد كانت الهزيمة شديدة على فرعون من فعل السحرةِ في هذا الموقف فأراد أن يعيد لنفسه هيبتها {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ{49}، فأجابه السحرة باطمئنانٍ وإيمان وفي نفس الموقف {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ{50} وفي موقف آخر أجابوه { قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{72} إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{73} إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى{74} وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى{75}
هذا قولهم في موقف ايمانهم فقد حصل عندهم الدليل الدافع لهم ليصدعوا بالحق ويجهروا بقوله ولم يأبهوا لما سوف يفعل فرعون وهم أدرى بفعله بخصومه وضمن هذا السياق نرى أن حديثهم مع موسى لم يكن سوى بضع كلمات عندما آمنوا فقالوا {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{48}، وأما كلامهم مع فرعون فقد كان أوضح وأصرح ويظهر فيه العزم والحزم رغم التهديد والوعيد.
إن السحرة عندما آمنوا لم يطلبوا من موسى أكثر مما رأوا فلم يطلبوا تعليلاً ولا تفسيراً ولا تفسير التفاسير ولا شرحاً ولا شرحاً للشرح بل حملوا العقيدةَ ودافعوا عن عقيدتهم بمجرد حصول دليل واحدٍ عندهم.
إن التسليم والانقياد هي من صفات المؤمن في قوله تعالى {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور51 ، وقوله تعالى { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } ، وليس التشكيك والتشكل والمراء والموارية والمهلة والإنتظار وتقليب الأمور وحساب الربح و الخسارة والنفع والضر بل هو طاعة واستسلام بغض النظر عن حسابات الدنيا وبريقها أو اخضاع الأفعال لمآلاتها.
3. إن الدليل يطلبه من يريد الاستدلال والهداية يطلبها من يريد الاهتداء أما من لا يريد الاهتداء أو الاستدلال فلا يطلب الدليل حتى وإن أتيته بألف دليل لأن هواه قد حدد له غايته.
فالذي أراد الدليل للاستدلال أعانه الله فاستدل واهتدى في قوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة259
وفي هذا المعنى فقد روى الماوردي أن صعصعة ابن ناجية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم يستقرأه فقرأ عليه قول الحق سبحانه وتعالى { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ{8} الزلزلة ، فقال صعصعة: حسبي حسبي إن عملتُ مثقال ذرةٍ شراً رأيته. وأيضا فقد روى معمر عن زيد بن أسلم : أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال علمني مما علمك الله ...فدفعه إلى رجل يعلمه فعلمه إذا زلزلت الأرض حتى بلغ { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ{7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ{8} ، قال حسبي فأخبر النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال (دعوه فإنه قد فَقُهْ ) ؛ يعني أنه قد حصل عنده الفهم والوعي فاهتدى واستدل من دليل واحد فقال حسبي يعني يكفيني , فلم يعد يحتاج إلى دليل آخر.
إن ما يحتاجه الواحد هو نفسه ما تحتاجه الجماعة من قيام الدليل عندهم ورؤيتهم للحجة الدامغة على صدق المخبر لهم فقول الرسل لأقوامهم يكاد يكون واحد في قوله تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ }الأعراف65 ، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } ، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ }
فلا يوجد أبلغ من الناقة دليلاً على صدق المخبر و وحدانية الله ولكنهم عتوا واستكبروا بل {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً }نوح7 , و كان الجواب وكأنه واحد عندهم {وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ }الأنعام29 ، {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }سبأ 35.
والصورة الأخرى قوم يونس نرى سلاستهم وسهولة ايمانهم من سياق قول الحق سبحانه { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{139} إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ{140} فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ{141} فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ{142} فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ{143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{144} فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ{145} وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ{146} وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ{147} فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ{148} ، هذه كل قصتهم على عكس قصة بني إسرائيل فقد كانت تكفيهم بقرة ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم وصدق الله العظيم { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }البقرة67
ونخلص مما سبق إلى القول بأن الدليل له قيمة عند من يريد الإستدلال أما من لم يرد الإستدلال ولا يطلب الهداية فما قيمة الدليل عنده أوُجِدَ دليل واحد أم ألف دليل وصدق الله العظيم { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }يونس32 ، ونورد مثالين على المعاندة والكِبر والمراء والتشكيك.
أما المثال الأول فهو الأمم المتحدةُ والقانون الدولي والشرعية الدولية فقد حصل الدليل القاطع على أنها لم توجد إلا لحماية مصالح الكفر ضد كل الشعوب المستضعفة وضد الأمة الإسلامية ورغم هذا نرى أن التمسح بأعتابها وطلب رضاها غاية عند كل دول الضرار الإسلامية والدول العربية والأرقام عندما تتكلم لابد أن يصمت المراوغون.
لقد صدر قرار 194 الخاص بالقضية الفلسطينية في 18/12/1948 ، وصدر قرار 242 الخاص بالقضية الفلسطينية في 22تشرين ثاني 1967 فالمدة الزمنية بين القرارين حوالي عشرين عاماً وما بينهما حوالي (48) قرار ، وصدر القرار 684 الخاص بموضوع العراق والكويت سنة1991, وصدر القرار 1717 الخاص بموضوع دارفور سنة 2006, يعني أن التسارع في القرارات في الخمسة عشر سنة الأخيرة قد وصل إلى حوالي ( 1033) قرار بينما في العشرين سنة الأولى حوالي(48)قرار فهل تحتاج أنظمة الضرار والمتحاكمون إلى الطاغوت لأكثر من ألف دليل ودليل على عدائها للإسلام والمسلمين وعلى وجوب محاربتها وليس فقط الإنسحاب منها..؟؟؟
ثم نسمع في خضم الأحداث الدائرةِ في لبنان تصريح للمؤتمر الإسلامي يقول حرفياً (المؤتمر الإسلامي يدعو إلى محاسبة اسرائيل على انتهاكها لحقوق الإنسان في لبنان....؟؟؟).
وأما المثال الثاني فكم مذبحة يلزم اسرائيل أن تفعلها حتى يتبين لهؤلاء الذين يدعونَ لضرورةِ التعايش سلمياً والتطبيع بأن ما يدعون إليه باطل ولا أساس له وقد حاولت أن أسرد أهم المجازر وليس كلها:-
المذبحة | التاريخ | عدد القتلى |
مذبحتي الشيخ وحواسة | 31/12/1947 | 30 |
مذبحة قرية سعسع | 14-15/2/1948 | 60 |
مذبحة رحويوت, حيفا | 27/2/1948 | 27 |
مذبحة كفر حسينية | 13/3/1948 | 30 |
مذبحة بنياميناه | 27/3/1948 | 64 |
مذبحة دير ياسين | 9/4/1948 | 53طفل 25رجل |
مذبحة ناصر الدين, طبريا | 14/4/1948 | قتل كل أهل القرية سوى40 |
مذبحة تل لنفسنلي | 16/4/1948 | 90 |
مذبحة حيفا | 22/4/1948 | قتل في الميناء 150 |
مذبحة بيت داراس, غزة | 21/5/1948 | القتلى أعداد غير معروفة |
مذبحة اللد | أوائل6/1948 | 250 |
مذبحة الدوايمة قرب الخليل | 29/10/1948 | 75+35 عائلة |
مذبحة يازور قرب حيفا | 1948 | 15 |
مذبحة شرفات الفرس | 7/2/1951 | 10 |
مذبحة بيت لحم | 26/1/1952 | 6 |
مذبحة قرية فلمة | 29/1/1952 | 9 وهدمت القرية |
مذبحة مخيم البربج | 28/8/1953 | 20 |
مذبحة قلقيلية | 10/10/1953 | 70 |
مذبحة قيسة | 15/10/1953 | 69 |
مذبحة مخالين,بيت لحم | 29/3/1954 | 11 |
مذبحة دير أيوب | 12/11/1954 | 3 أطفال |
مذبحة غزة الأولى | 2/2/1955 | 33 |
مذبحة غزة الثانية | 4+5/4/1956 | 56 |
مذبحة خان يونس الأولى | 30/5/1955 | 20 |
مذبحة خان يونس الثانية | 1/9/1955 | 46 |
مذبحة أزهوه | 11+12/9/1956 | 15 |
مذبحة كفر قاسم | 29/10/1956 | 49 |
مذبحة خان يونس الثالثة | 3/11/1956 | 275 |
مذبحة السموع | 13/11/1966 | 18 |
مذبحة أبي زعبل | 12/2/1970 | 70 |
مذبحة بحر البقر | 8/4/1970 | 19 طفل |
مذبحة صيدا | 6/يونيه/1982 | 80 |
مذبحة صبرا وشاتيلا | 6-18/9/1982 | 1500 |
مذبحة عين الحلوة | 16/5/1984 | 15 |
مذبحة سحمر | 30/9/1982 | 13 |
مذبحة حمامات الشط | 11/10/1985 | 50 |
مذبحة الحرم الإبراهيمي | 25/2/1994 | 60 |
مذبحة قانا | 18/4/1996 | 250 |
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية
فكم من المذابح يلزم أو قل هل ما زال سيل الدم الذي يسيل إلى اليوم لم يقنع دعاةَ التطبيع أن ما يحاولونه هو الوهم أو السراب , فهل يعتري هذا الأمر إلى قصور الدليل أم يعود لقصور عقولهم عن فهم أو إدراك ما يحصل لأنهم قد أغلقوا عقولهم عن مجرد التفكير بما يحصل تفكيراً مجرداً.......؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
4. إن الموضوع الذي طرحناه حول الدليل لابد أن نستكمله بل ونضعه داخل إطاره حتى تتضح الصورة وتحصل الفائدة من هذا البحث ونبدأ بقول الحق سبحانه {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{94} وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{95} إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ{96} وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ{97}يونس.
إن الشك هو التوقف بين أمرين أو التردد بين النقيضين وهذا الأمر ما حاول الكفار عمله مع من آمنوا فقد حاولوا زرع الشك في قلوبهم وأنهم قد تشككوا في أمر نبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم, أما أنه صلى الله عليه واله وسلم قد شك في أمر رسالته فكلا وحاشا أن يكون كذلك فقد قال عندما نزلت (لا أشك ولا أسال بل أشهد أنه الحق) والذي يدل على ذلك قوله عز وجل في آخر السورة {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }يونس104
إن الذين يكابرون ويكفرون برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ورسالته يعرفونه كما يعرفونَ أبناءهم وقد قال عبد الله بن سلام (لقد عرفت محمداً حين رأيته كمعرفتي لإبني ومعرفتي لمحمد أشد) وذكر ابن كثير في تفسيره أن عمر بن الخطاب سأل عبد الله بن سلام : أتعرف محمداً كما تعرف ولدك قال نعم وأكثر, نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعمته فعرفته وصدق الله العظيم {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }الأنعام33
هذا ما يفعله مفكروا اليوم أو المنظرين من محاولة زرع الشك في أذهان المسلمين وأننا في القرن الواحد والعشرين وأن زمان الخلافة وعصر الحريم قد ولى وأننا اليوم في عصر الفضاء فمسايرة العصر وضرورة تجديد الفكر الديني هي من احتياجات هذا العصر وأن من يدعو وينادي لإيجاد الخلافة إنما هو صوت نشاز يحاول أن يعيدنا إلى الخلف وما هم إلا دعاةَ فتنةٍ وفساد.
وهذا ما فعله فرعون والملأ ويفعله كل الفراعنةِ اليوم حين وصفوا كل خارجٍ عن إرادتهم أو داعٍ بغير دعوتهم أو مناهضٍ لهم فاتهموه بالفساد والإفساد {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}الأعراف127
إن الخطاب بالأمس والخطاب اليوم هو واحد واحد والفرق هو الزمن فقط والبضاعة التي سوقها فراعنة الأمس هي نفس البضاعة التي يسوقها فراعنة اليوم فزرع الشك بضاعتهم والإعتداء على الأعراض والقتل والسجن والقهر هي طريقتهم والحجة هي محاربة الفساد أو الإفساد والتهم دائماً جاهزة.
إن الفرق واضح بين من يطلب الدليل ليهتدي به وبين من وجد عنده الدليل ويريد أن يطمسه أو يشكك به بجبروته وقهره أو أن يحاول تشكيل الدليل بشكل يتوافق مع أهوائه حتى يظهر بمظهر المستدل حتى وهو في طريق ضلاله وغوايته وصدق الله العظيم { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }الأنعام91.
من كتاب حديث رمضان 5
0 تعليقات