شعائر الله

شعائر الله

الشعائر: جمع شعيرة، وهي المعالم التي جعلها الله لعباده لينالوا ثوابه بتعظيمها، فالإحرام شعيرة، والتكبير شعيرة، والطواف شعيرة، والسَّعْي شعيرة، ورمْي الجمار شعيرة وحرمة المسلم وعرضه وماله وعدم اهانته ....إلخ. وهذه أمور عظّمها الله، وأمرنا بتعظيمها .
   وتعظيم الشيء أبلغ وأشمل من فِعْله، أو أدائه، أو عمله،فالفقير يعظم الزكاة وان لم يفعلها وغير المستطيع يعظم الحج وان لم يفعله, وتعَظَّيم الشعائر يعني تأديتها بحبٍّ واقبال وإخلاص، وجاء بها على الوجه الأكمل، وربما زاد على ما طُلِبَ منه غير مبتدع, { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج: 32,والشعائر : جمع شعيرة وهي المعلم الواضح, مشتقة من الشعور . وشعائر الله : لقب لمناسك الحج . جمع شعيرة بمعنى : مشعرة بصيغة اسم الفاعل أي  معلمة بما عينه الله . فمضمون جملة ومن يعظم شعائر الله أخص من مضمون جملة ومن يعظم حرمات الله وذكر الأخص بعد الأعم للاهتمام ، أو بمعنى مشعر بها ، فتكون شعيرة فعيلة بمعنى مفعولة لأنها تجعل ليشعر بها الرائي . فكل ما أمر الله به (بزيارة أو بفعل) فهو من شعائر الله ، أي مما أشعر الله للناس وقرره وشهره ؛ ومنها معالم الحج : الكعبة ، والصفا والمروة ، وعرفة ، والمشعر الحرام ، ونحوها من معالم الحج,وكذلك الاذان واقامة الصلاة وعدم استقبال او استدبار الكعبة اوبيت المقدس حين قضاء الحاجة,وتقديم او تأخير دخول بيت الراحة مع رفع الاذان,وعدم اشتغال القلب في الصلاة,ونحو ذلك, وتطلق الشعيرة أيضا على بدنة الهدي قال تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)الحج لأنهم يجعلون فيها شعارا,فلا نعظم البدن لذاتها وانما التعظيم لشعائر الله يعني لاوامره .
         ومثالنا في ذلك: خليل الله إبراهيم، عندما أمره الله أنْ يرفع قواعد البيت: كان يكفيه أنْ يبني على قَدْر ما تطوله يده، وبذلك يكون قد أدّى ما أُمِر به، لكنه عشق هذا التكليف وأحبَّه ووضع حجراً على حجر ليقف عليه، ويرفع البناء بقدر ما ارتفع إليه فمحبة أمر الله مَرْقى من مراقي الإيمان، نسموَ إليه في كل عمل,فالهدف أنْ نؤدي التكاليف بحُبٍّ وعِشْق يُوصِّلنا إلى حب الله عز وجل؛ لذلك نجد من أهل المعرفة مَنْ يقول: رُبَّ معصية أورثتْ ذلاً وانكساراً خَيْر من طاعة أورثت عِزاً واستكباراً.
     ان هذه المحبة للتكاليف عبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "وجُعلَتْ قُرَّة عيني في الصلاة "رواه أحمد ، والنسائى لذلك نَعَي القرآن على أولئك الذين{  إِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء142 وابنته فاطمة - رضي الله عنها - كانت تجلو الدرهم وتلمعه، فلما سألها رسول الله عما تفعل، قالت: لأنني نويتُ أنْ أتصدَّق به، وأعلم أنه يقع في يد الله قبل أنْ يقع في يد الفقير. هذا هو التعظيم لشعائر الله والقيام بها عن رغبة وحب.
فإذا ورد الأمر من الله وثبت نأخذه على الرَّحْب والسِّعَة دون جدال ولا مناقشة، وكيف نناقش أمر الله ونحن نعظِّمه؟ ومن هنا نقول للذين يناقشون في أمور فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل تعدُّد زوجاته مثلاً ويعترضون، بل ومنهم مَنْ يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يليق نقول لهم ما دُمْتُم آمنتم بأنه رسول الله، فكيف تضعون له موازين الكمال من عند أنفسكم وتقولون كان ينبغي أنْ يفعل كذا ولا يفعل كذا, وهل عندكم من الكمال ما تقيسون به فِعْل رسول الله...؟ فأن الكمال منه صلى الله عليه وسلم ومن ناحيته لا من ناحيتكم.
ثم يقول سبحانه: { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [الحج: 32] ليست من تقوى الجوارح، بل تقوى قلب لا تقوى قالب، فالقلب هو محلُّ نظر الله إليك، ومحلُّ قياس تعظيمك لشعائر الله,أنْ الفرق شاسع واسع بين اخضاع القلب واخضاع القالب,والله عز وجل لم يرد ان يُخضِع قوالبنا، إنما يريد أنْ يُخضع قلوبنا، ولو أراد سبحانه أنْ تخضع القوالب لخصعتْ له راغمة، كما جاء في قوله تعالى:{  لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }الشعراء34
فأنت تستطيع أنْ تُرغِم مَنْ هو أضعف منك على أيِّ شيء يكرهه، إنْ شئتَ سجد لك، لكن لا تملك أنْ تجعل في قلبه حباً أو احتراماً لك، لأنك تجبر القالب، أمّا القلب فلا سلطةَ لك عليه بحال.
أن معنى شعائر الله هو كل أوامر الله وما فرضه الله على البشر،نؤديها ونعظمها لانها من الله,وقد وردت عبارة شعائر الله في القرآن في مواضع:
1- من سورة الحج (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣﴾),ويفهم بوضوح أن شعائر الله فيها منافع للناس ثم محلها إلى البيت العتيق، فالأمر يتعلق هنا بالحج وهو ما يدل عليه سياق النص الكامل، والتي فيها منافع للناس ،ويؤيد المفهموم السابق لشعائر الله ما ورد أيضاً في قوله تعالى(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٣٦﴾ لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٧﴾) سورة الحج ,فواضح من النص السابق أن شعائر الله هى أنواع من بهيمة الأنعام التي تُعد للذبح في وقت الحج، والبُدن أحد أنواع بهيمة الأنعام، أو هى البدين أي السمين من هذه الأنواع.
    ومن شعائر الله ايضا قوله تعالى(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٥٨﴾ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿١٥٩﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٠﴾) سورة البقرة, فإن الصفا والمروة هما أيضاً من شعائر الله وهما مكانين امر الله بتعظيمهما.
وعودة إلى عبارة شعائر الله فقد جاءت في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴿١﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّـهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾سورة المائدة فهذه امر وبعدها النهي في قوله تعالى(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)المائدة5 وهنا يتحدث النص عن بعض ما أمر الله المؤمنين أن ينتهوا عنه كونها من شعائر الله، وكذلك عدم استحلال شعائر الله وعدم إستحلال صيد البر في الشهر الحرام.
ان من مقتضيات تعظيم شعائر الله عدم تعظيم شعائر غير الله,فان لابليس ايضا شعائر وللشيطان شعائر وللاهواء شعائر,وكلها لا يحل لمسلم تعظيمها,فقانون الكفر لا نعظمه ولا نعظم شعائره كاعياد الاستقلال والجلوس على العرش ومولد او وفاة الزعيم,واعياد الميلاد من شعائر الشيطان فلا نعظمها,كعيد الام ويوم الشجرة وعيد الحب واشباهها.

وكذلك المعاهدات التي افرزتها اتفاقات سايكس بيكو او كامب ديفد او اوسلوا او وادي عربة لكونها شعائر للشيطان يريد اخضاع المسلمين بها واذلالهم فتعظيمها لا يعني الا الموافقة والرضى بها والعياذ بالله.

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 13
2015

إرسال تعليق

0 تعليقات