الرعاية المائية في ظل دولة الإسلام
كانت اليمن المنطقة التي تقدمت فيها الزراعة
أكثر منها في أية منطقة أخرى في الجزيرة العربية, والحياة الحضرية في اليمن قديمة،
وقد دعيت اليمن ببلاد العرب السعيدة وبـ" الخضراء" عند الجغرافيين العرب،
وذلك لكثرة مزارعها ونخيلها وأشجارها وأثمارها ومراعيها ومياهها. وكانت الزراعة في
اليمن تعتمد على مياه الأمطار والري الاصطناعي مما ساعد على رفع مستوى الزراعة وازدهارها
في اليمن وبناء منظومة واسعة من السدود والأحواض لحفظ مياه الأمطار الموسمية الصيفية
الغزيرة وتوزيعها على الحقول والبساتين عند
الحاجة ويذكر الهمداني أن مخاليف اليمن ثمانين سداً أشار إليها بعض الشعراء بقوله:
وبالبقعة الخضراء من أرض يحصب ثمانون سداً تقذف الماء سائلاً
ويعد
سد مأرب العظيم من أهم موارد السدود التي اكتسبت شهرة في تاريخ اليمن والجزيرة العربية
حتى اليوم، إذ كان يشكل العمود الأساسي لتنظيم الري الاصطناعي ولتطور الزراعة الكثيفة
في جنوب الجزيرة العربية.
لقد بدأ الاهتمام الفعلي بالجوانب المختلفة للزراعة منذ استقرار الرسول صلى
الله عليه وسلم في المدينة المنورة، إذ أولى عناية فائقة للجوانب العملية الزراعية
المختلفة، مثل المياه ووسائل السقي وإحياء الأرض، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم
في طائفة من أحاديثه الكريمة إلى العناية بالزراعة والغرس ومن ذلك ما رواه قتادة عن
أنس قال قال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه
طيرٌ أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)الجمع بين الصحيحين,وروى مالك في
الموطأ قال حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال (من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق) قال مالك والعرق الظالم
كل ما احتفر أو أخذ أو غرس بغير حق.
وبعد
الفتوحات الإسلامية التي طالت الجزيرة العربية ذات الطبيعة الصحراوية والتي تفتقر
الى المياه, ووصول المسلمين بلاد فارس وبلاد الرافدين وبلاد الشام وصولهم إلى بلاد
النيل، أصبح أمام المسلمين مهام تتعلق بهذه الانهار وغزارة المياه في تلك البلاد
كي لا يذهب هدرا,فكان لا بد من التخطيط لإنشاء
المشاريع الإروائية لاعمار البلاد المفتوحة ورعايتها وبخاصة السدود والخزانات التي
يرجع الكثير منها إلى عهود أسلافهم التي أهملوها فآلت إلى الخراب أو أن أسلافهم
دمروها في أثناء الحروب التي خاضوها ضد المسلمين، وهذا ما فعلته جيوش كسرى في
العراق قبل معركة القادسية وخلالها، وجيوش الروم في بلاد الشام قبل معركة اليرموك
وخلالها·
كانت الدولة توجه أكبر عنايتها إلى وسائل الريَ، فهي التي تنشئ القنوات وتبني
السدود، وتسد ما يحدث من صدوع في سُرر الأنهار، وكانت منطقة الجزيرة في شمال العراق
تعتمد في الري على مياه الأمطار، أما منطقة حرَان في الجزيرة الفراتية فحفر أهلوها
بمعونة الدولة بعض الآبار الاصطناعية لإرواء مزارعهم، وأما منطقة الخابور فأفادت الكثير
مما جرى في أرضها من العيون(وادي الخابور تبلغ مساحتة 4 مليون فدان من الأراضي الزراعية
الخصبة، وهي سلة حنطة سوريا حيث تنتشر زراعة القمح بشكل كبير في السهول الواسعة الخصبة).
وكان عمرو بن العاص لما فتح مصر شق بأمر من الخليفة
عمر بن الخطاب قناة بطول يقرب من مائة وخمسين كيلومتراً، كما بنى مقياساً للنيل بأسوان
وآخر بدندرة لمراقبة فيضان نهر النيل. ووجد عمر في العراق والشام بعد الفتح كثيراً
من الأراضي التي جلا عنها أهلوها فبقيت دون مالكين فاعتبرها "صوافي" تضم
إلى بيت المال، يقتطعها لمن يتعهدها بالزراعة والغراسة، فسميت بالقطائع.
لقد
كان اهتمام المسلمين في هذه المجالات تحقيقا لامر الله عز وجل وطلبه رعاية شؤون
الناس وعمارة الارض وشحن الجيوش وامدادها هي والشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام
وتامين المأكل والمسكن والملبس وضمان الامن المائي والغذائي لهم فقد اصبحت بالفتح
دار اسلام بغض النظر عن عدد المسلمين, فواجب الرعاية حق تؤديه الدولة للرعية وليست
مّنة يمنّها الحاكم او يشكر عليها.
فعلى سبيل المثال ذكر"البلاذري"في
كتابه"فتوح البلدان"أن مجموع مساحة أراضي السواد التي خضعت للخراج في
زمن الخليفة الراشد"عمربن الخطاب" خلال الفترة 13-23 هجرية، قد بلغت 36
مليون جريب(مساحته = 1366 مترا مربعا) أي ما يساوي نحو خمسين ألف كيلومتر مربع,وهذه
المساحة تساوي ثلثي مساحة الدلتا ما بين نهري دجلة والفرات الصالحة للزراعة، ونحو
ثمن مساحة العراق الإجمالية في الوقت الحاضر ، وهذه المساحة وغيرها كانت تتطلب
كميات كبيرة جدا من المياه السطحية لاستزراعها، أي كان لابد أن تقام المشاريع
الإروائية لهذه المساحات رعاية للامة.
أن
القرآن الكريم أكد في أكثر من سورة على أهمية الزراعة والمياه بالنسبة لخلقه في
تأمين غذائهم في قوله تعالى " وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا
رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى
لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا
بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ
(10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) "
(ق).
لقد تمكنوا من مسح سقي الفرات من قبل"عثمان
بن حنيف"أيام الخليفة"عمر" والمتولي لمساحة سقي دجلة هو"حذيفة
بن اليمان"والقناطر المعروفة بقناطر"حذيفة" وإليه نسبت ,وبعد فترة حكم الخلفاء
الراشدين كان المسلمون أكثر اهتماما في هذه المجالات ؛ مما جعل أعمالهم أكثر وضوحا
ونضجاً· فخلال حكم الدولة الأموية أنشئوا السدود وخزانات المياه في الكوفة ،
واستخدموا بحر النجف لهذا الغرض لتخفيف وطأة الفيضانات، وسعى"عبد الملك بن
مروان"لإحصاء كميات الأمطار بالأمكانات المتاحة لديهم في ذلك الوقت، فقد بدأ
في تلك الفترة بداية الاهتمام بالأنواء ، كما عمل"الحجاج"والي
العراق على إقامة السدود لتجفيف البطائح (المقصود بها الأهوار) وإعمار شمال مدينة
البصرة ، وبمساحة نحو مئة ألف دونم
ومن أهم السدود التي أنشأها الأمويون هو
سد"خربقة"مع خزان ضخم لتخزين وجمع المياه وتوزيعها، وقد كان هذا السد
والخزان يقع على الطريق المؤدية من مدينة دمشق إلى مدينة تدمر ، وأعادوا إنشاء هذه
المدينة بعد أن أصبحت أطلالاً في القرون الخوالي، والجدير بالذكر ان الأمويين
استخدموا الأقنية الخزفية وشبكة ري حجرية في توزيع المياه هناك .
وفي خلافة هشام بن عبد الملك(105ـ125هـ) اهتمت
الدولة بالخراج وإحصاء وارداته بدقة بالغة، ففي مصر مثلاً قام عبيد الله بن الحبحاب
بتقدير ما يركبه النيل من عامر وغامر،لمساحة الأراضي وتحديد وظائفها اهي ارض عشر
ام خراج، وإذا بهذه الأراضي تضرب بعد مساحتها رقماً قياسياً اقرب إلى الخيال، إذ بلغت
مائة ألف ألف فدان ( الفدان يساوي4200م2ويعني هذا الرقم 420 مليون دونم مربع).
إلا أن التطور في مجال إقامة السدود وخزانات
المياه وصل إلى مرحلة كبيرة من التطور في العصور العباسية الأولى، وهذا ما جعل
الخبير البريطاني"وليم ويلكوكس"يذكر في كتاباته عن تطور الري في العراق
أيام الخلفاء العباسيين فذكر أنها تشبه ما أقامه الأميركيون والإستراليون من
مشاريع الري في القرن العشرين الميلادي.
لقد
عمل العباسيون على التوسع الزراعي لزراعة جميع المساحة المتاحة في العراق بخاصة
والولايات المختلفة الأخرى بعامة، إلا أن ذلك تطلب منظومة من الشبكات الإروائية
والسدود التي تضمن زراعة تلك المساحة من خلال تأمين كميات المياه اللازمة لذلك ،
فقد عمل الخليفة العباسي"أبو جعفرالمنصور"على تنظيم وسائل الإرواء بغية
الاستفادة القصوى من كميات المياه المتاحة، وذلك بإقامة السدود على نهر الفرات
للسيطرة على مياهه ثم توزيعها على جداول وقنوات لتحقيق الاستفادة القصوى من النهر،
فتمكنوا من زراعة وإرواء جميع الأراضي الممتدة من شمال الصحراء الغربية ، وحتى
منطقة الجبال في شمال بلاد الرافدين وصولا إلى شواطئ الخليج العربي جنوبا·
كما
أنهم أقاموا سدين في شمال غرب بغداد ليتوزع منهما نهران ، هما نهر"الدجيل"الذي
جعلوا له قنوات تنفذ في الشوارع والدروب لإيصال المياه إليها صيفاً وشتاء ونهر"كرخايا"لسقاية
البساتين هناك، وفي أطراف بغداد أقاموا سدين للسيطرة على مياه نهري"القلائين والبزازين"اللذين
تم تنفيذهما لسقاية بساتين هذه العاصمة، وكذلك أقاموا سدا على
نهر"عيسى"وعملوا عليه سدا آخر ليتفرع عنه نهر"الصراة"مارا
بمنخفض"عقرقوف"ثم أقاموا سدا آخر ليتفرع عنه نهر"الخر"وهو
معروف اليوم باسم نهر"الخير"وقد طمر لاحقا، ومع اتساع حجم خزانات المياه
والسدود التي سيطروا على مياهها ونظموا تدفقها جعلوا لها ديوانا سموه ديوان
الأقرحة (يقصد به ديوان الماء).
ومن
الأنهار العظيمة التي شقها العباسيون نهر"النهروان"الذي عملوا له سدا
عند الجهة الشرقية لنهر دجلة جنوب بلدة الموصل ليمتد النهر 150 ميلاً شمال بغداد ،
ثم يمتد من العاصمة العباسية جنوبا ولمسافة 100ميل حتى شمال مدينة واسط,علما أن
هناك محاولات أخرى نفذت في مواقع أخرى أيام الدولة العباسية، كالسد الذي اقترحه
"الحسن بن الهيثم"على نهر النيل في مصر، مع ا لعلم أن هناك العديد من المسلمين الذين
أبدعوا في هذا المجال منهم أبناء موسى بن شاكر والمهيمن قيصر بن أبي القاسمين وعبد
الغني بن مسافر.
وفي
عهد هارون الرشيد قام وزراؤه بتحقيق رغباته في الإصلاح الزراعي إلى أبعد حد ممكن، فاحتفر
وزيره يحيى نهر القاطول، واستخرج نهراً دعاه أبا الجند أنفق عليه عشرين ألف ألف درهم،
وأمر بإجراء القمح على الحرمين، وبنى الحياضات والرباطات، وبلغت موارد الدولة في عهده
" في كل سنة نحواً من خمس مائة ألف درهم من الفضة وعشرة آلاف ألف دينار من الذهب"
حتى قالوا: إن الرشيد كان يستلقي على ظهره وينظر إلى السحابة المارة ويقول:"
اذهبي حيث شئت فإن خراجك آت إليَ".
لقد قامت
عناية خلفاء بني العباس بالزراعة وفلاحة البساتين على دراسة عملية وعملية، بفضل انتشار
المدارس الزراعية التي كان لها أثر كبير في إنارة عقول المسلمين، فتوسعوا في البحث
النظري ودرسوا أنواع النباتات وصلاحية التربة لزراعتها، واستعملوا الأسمدة المختلفة
لأنواع النبات, وقد دوَن المسلمون الشيء الكثير في المعاجم والكتب اللغوية بما يتصل
بالفلاحة والنباتات والحيوانات الداجنة وغير الداجنة بل وحتى الحشرات. يضاف إلى ذلك
ما ألف في علم النبات مثل: كتاب "الزرع" لأبي عبيدة معمر بن المثنى وكتاب
"النبات" للأصمعي، وعلم الحيوان مثل: كتاب "الحيوان" للجاحظ، وعلم
الفلاحة مثل: كتاب "الفلاحة النبطية" لابن وحشية الذي أرسى بشكل نهائي دعائم
زراعة العصور القديمة والوسطى, أما أشهر الكتب العربية في الزراعة فهو كتاب الفلاحة
لابن العوام- القرن الثالث عشر الميلادي- الذي اطلع على جميع العلوم التي كانت في عصره،
ومنها العلوم الزراعية القديمة، ثم قام بتجارب عديدة في الزراعة دون نتائجها في كتابه
الضخم الذي ترجم إلى الأسبانية والفرنسية في القرن التاسع عشر، ويتألف كتاب الفلاحة
لابن العوام من ثلاثين فصلًا عن الزراعة تبحث في مواضع شتى، منها ما يتعلق بطبيعة الأرض
والسماد وأنواع المياه وطبيعتها وإنشاء الجناين والمشاتل وزراعة الأشجار المثمرة وعمليات
التطعيم وتقليم الأشجار وعمليات التسميد والري وإخصاب الأشجار الاصطناعي ومكافحة الأمراض
الزراعية وطرق تعطير الثمار وتلوين الورد وحفظ الحبوب والبذور والنباتات الصالحة للنسيج
والنباتات الصابغة وغيرها. ويذكر أنه يعود الفضل لابن العوام لتعريفنا بجهود من سبقوه
في هذا المجال من العلماء العرب والذين لم تصل إلينا كتبهم، مثل ابن وافد وابن سمجون
وابن ميمون والحاج الغرناطي، ولأبي حنيفة الدينوري في القرن الثالث الهجري كتاب اسماه
«النبات» حوى أنواع النباتات والتربة وكيفية شق الترع والجسور، وبه باب خاص يحتوي على
شرح لغوي لأسماء النباتات التي وردت في أشعار العرب، ولابن البيطار، القرن السابع الهجري،
جهود عظيمة في هذا المجال فقد سافر إلى الشام من الأندلس ودرس نباتها، ثم سافر إلى
مصر فجعله الملك الكامل الأيوبي رئيسًا على العشابين وألف كتابه في النبات وهو فريد
في بابه، وكان عليه معول أهل أوروبا في نهضتهم الأخيرة ومن علماء العرب في علم النبات
رشيد الدين المتوفى سنة 629هـ صاحب كتاب الأدوية المفردة، وكان كثير التدقيق يخرج لدرس
الحشائش في منابتها وله كتاب يسمى أحوال النباتات.
واما مكافحة الأمراض الزراعية فقد كان العرب والمسلمون
اعلم الأمم بالزراعة إبان ازدهار حضارتهم، فقد عرفوا تفصيلًا وإجمالًا أهمية خدمة الأرض
وأثرها في القضاء على الآفات الزراعية خاصة البادرات الحشرية، وذلك من خلال تقليب التربة
وتعريض الآفات فيها للظروف الجوية غير الملائمة، إضافة إلى التخلص من الحشائش الضارة
والأدغال النامية في الحقول, واستخدم العرب والمسلمون المبيدات الحشرية الكيميائية
في مكافحة الآفات الزراعية والسيطرة على الحشرات الضارة في صورة طعوم أو سوائل ترش
أو غازات بواسطة التدخين، وليكن طريقنا لإيضاح ذلك بمثل واحد من كل هذه الطرق.
الطعوم السامة: استخدمها العرب والمسلمون لقتل الفئران
والكلاب والخنازير والذباب والجراد والنطاط والقوارض الأخرى، فقد استخدموا مبكرًا برادة
الحديد مخلوطة بالدقيق أو الخبز بالسمن، كما عرفوا أن تراب الزئبق يقتل الفأر والزرنيخ
الأصفر يقتل الذباب برائحته.
المبيدات المرشوشة: عرف العرب المبيدات المرشوشة واستخدموها
بتوسع، فمثلًا كانوا يستخدمون ثمرة الحنظل بعد نقلها من الماء لرش البيوت بها لقتل
البراغيث، كما كانوا يرشون البيوت بالماء المذاب به النشادر لقتل جميع الهوام.
المواد الكمياوية الطيارة (التدخين): استخدم العرب
في التدخين موادًّا كيماوية طاردة طيارة سريعة التبخر من اصل نباتي، كثيرًا ما تكون
غير سامة وليس لها أي تأثير ضار على الإنسان والحيوان والنبات، فقد استخدموا الكبريت
المدخن لطرد البراغيث، وبخروا البيوت بالكزبرة لطرد الحيات والعقارب.
لقد
اعتنت الدولة بايجاد المساحات الخضراء وتوفير العمل لعمال الزراعة والمزارعين حيث يصرف
خراج وقف مخصص لتوزيع البذار مجانا للمزارعين والفلاحين المحتاجين ، ولعل هذا أحد الأسباب
التي جعلت المسلمين يعرفون بالنشاط الزراعي المتطور حتى قال سينيوبوس: "إن المسلمين
استعملوا جميع أنواع الزراعة، وحملوا كثيرا من النباتات إلى صقلية وإسبانيا وربوها
في أوربا فأحسنوا تربيتها حتى تظنها متوطنة" وإن مما اشتهر عند الكتاب أن المسلمين
يهتمون بشيئين اثنين عند فتح أي بلد في وقت معا هما: بناء المسجد وتنظيم الحقل.
و
قال آخر " العرب عمال زراعة ورجال براعة، برعوا في سقي الجنان واخترعوا النواعير
العجيبة، بل ووطنوا النباتات والأشجار الأفريقية والآسيوية في أوربا". لذلك فإن
كل بلد فتحها العرب المسلمون اهتم فيها ولاتها بالزراعة والاقتصاد، وليس عجباً أن نرى
تقدم هذه البلاد وانقلابها من خراب وفقر إلى حدائق غنّاء.
ووضع العلماء
المسلمون في الأندلس العديد من الكتب والمؤلفات الزراعية، ونخص بالذكر منهم: ابن العوام
الإشبيلي(القرن 6هـ) الذي وضع كتابه " الفلاحة الأندلسية" على أساس علمي
يجمع بين معارف العرب القديمة في الزراعة والنبات، وبين المعارف العميقة التي استفادها
من تجاربه المباشرة. وقد ذكر ابن العوام طريقة الري بالتنقيط لأول مرة بالتاريخ والتي نسب اختراعها
ـ اليوم ـ إلى العالم الغربي، وأشار ابن العوام في الباب السادس من كتابه بوضوح إلى
هذه الطريقة. ولذلك لم يتردد المستشرق ماكس مايرهوف في القول بان كتاب ابن العوام ينبغي
أن يكون أحسن الكتب في العلوم الطبيعية. ولأهمية هذا الكتاب فقد تمت ترجمته إلى اللغات
المختلفة: كالفرنسية والإسبانية والتركية والأوردية ومقاطع منه إلى اللغة الإنكليزية،
وكانت آخر طبعة لـه باللغة الفرنسية عام 1977م، الأمر الذي يؤشر لهذا الكتاب بالنسبة
للعلوم الزراعية.
كانت الأندلس والمغرب العربي متخلفين علميًّا وحضاريًّا
عن مشرق العالم الإسلامي في مجال الزراعة حتى أول القرن التاسع للميلاد، ولما تولى
الخلافة عبدالرحمن الناصر سعى إلى تدارك هذا القصور، وذلك بإرسال البعثات العلمية إلى
الشرق العربي للدراسة في بغداد ودمشق والقاهرة، وجلب الكتب المؤلفة والمترجمة إلى العربية،
وكانت هذه البعثات بداية لنهضة علمية زراعية في الأندلس حتى ظهر في الأندلس علماء أجلاء
قاموا على علم وادخلوا الجديد في الطرق الزراعية، وفي تلك الأثناء ظهرت مدرستان في
علم الزراعة في الأندلس:
الأولى، اهتمت بعلم العقاقير والنباتات الطبية، وكان
من روادها ابن جلجل وابن وافد وابن سمجون والغافقى وابن ميمون وابن البيطار.
والمدرسة الثانية، اهتمت بعلم الفلاحة والنبات، وكان
من روادها ابن بصال الطليطلي وابن حجاج الاشبيلي والحاج الغرناطي وابن العوام والشريف
الإدريسي وأبوعباس النباتي، ثم حدثت نهضة غير مسبوقة في الأندلس في هذا المجال فعمرت
المدن وكثرت الخيرات وانتشر العلم حتى كان في قرطبة وحدها دكان نسخ واحد يستخدم مائة
وسبعين جارية في نقل المؤلفات لطلاب الكتب النادرة، وكان في قصر الخليفة أربعمائة ألف
كتاب صنفت في شتى العلوم جميعها.
يقول رتشارلس سينوبوس في كتابه تاريخ الحضارة: جرى
أمراء العرب على أصول إسقاء الأرض بفتح الترع، فحفروا الآبار وجازوا بالمال الكثير
ممن عثروا على ينابيع جديدة، ووضعوا المصطلحات لتوزيع المياه بين الجيران، ونقلوا إلى
أسبانيا أسلوب النواعير لتمنح المياه والسواقي التي توزعها، وان سهل «بلسنة» الذي جاء
كأنه حديقة واحدة هو من بقايا عمل العرب وعنايتهم بالسقيا، كما أن العرب استعملوا جميع
أنواع الزراعة التي وجدوها في مملكتهم وحملوا كثيرًا من النباتات إلى صقلية وأسبانيا،
وربوها في أوروبا فأحسنوا تربيتها حتى لتظنها متوطنة وذلك مثل الأرز والبطيخ والقنب
والمشمش والبرتقال والكبار والنخيل والهليون والزعفران والبطيخ الأصفر والعنب والعطر
والورد الأزرق والأصفر والياسمين بل والقطن والقصب.
تقويم
زراعي أندلسي مستخرج من كتب الفلاحة الأندلسية
ت
|
الشهر
|
أهم
الأعمال التي تجري فيه
|
1
|
يناير
(كانون الثاني)
|
بداية
الحراثة الاولى - غرس النوى – غرس أوتاد السفرجل والزيتون والخوخ والرمان -
نهاية موعد إضافة السماد لأغلب الأشجار – وجمع زبل الطير من أبراج الحمام – يبدأ
بزبر الكروم البكر – تزبيل الزيتون والسفرجل – معالجة الثواليل التي تظهر في
أصول العينبقر بإضافة الزبل الآدمي- يختار تركيب الكروم وخصوصاً تركيب الأنبوب
والرقعة – تنقل فسائل النخيل – يجمع قصب السكر – يقطع الخشب للسقوف – زراعة
العدس والكراث والكزبر والكمون والباذنجان – يزاد في سقي الورد – أنسب الشهور
لنتاج الأبل وتواضع البقر .
|
2
|
فبراير (شباط)
|
بداية
غرس الملوخ - تسميد الفستق – عمل تكابيس الرمان – زراعة القمح في أنحاء
قنبانيه - بدء زراعة العصفر – يركب الإجاص
والتفاح – تنقل غرسات الأشجار – على أختلاف أنواعها – أفضل الأوقات لتركيب
الإجاص والتفاح – يبدأ بغرس الوررد والياسمين والريحان والسوس – يبيض الأوز –
يفرخ النحل – يبدأ النساء في تحضين بيض دود الحرير حتى يفقس .
|
3
|
مارس (آذار)
|
غرس أوتاد التين – وعمل تكابيس التين
في منتصف الشهر – عمل التركيب الرومي – البدء بتنقية النخيل من السعف – بدء
زراعة الرجلة والفوة – يحرث ما حول الأشجار وتنقى أصوله – غرس أصول قصب السكر –
نقل تكابيس التين – يبدأ دبيب الجراد بالظهور – يبدأ أنتاج الخيل – يتولد دود
الحرير تتزاوج الطواويس واليمام – يخرج سمك الشولي والشايل من البحر إلى الأنهار
.
|
4
|
أبريل (نيسان)
|
تلقيح (تذكير) النخيل والتين – غرس
أوتاد الأترج – غرس أوتاد الياسمين – يزرع الرز والسمسم والسلق – ينقل القرع
والباذنجان من مصاطب الزبل – يعقد التين – ينور الزيتون - يجمع ورد البنفسج – تطلق الفحول من الخيل
على الأناث – تبيض أناث الطواويس – تزرع الحناء والحبق واللوبياء .
|
5
|
مايو (آيار)
|
زراعة القطن – أبتداء الحصاد عند أهل
السواحل مثل مالقة وكذلك قرطبة و شذونة وتدمير – حصاد الشعير بقنبانيه قرطبة –
يعقد الزيتون والعنب– يظهر باكور التفاح والكمثرى والعينبقر والبرقوق والقثاء
وحب الملوك – يعتنى بالتراكيب بأن تنضح بالماء عشياً– تجمع بذور الخشخاش الأسود
وبذور الكرفس والخردل والحرف– تفرخ الطواويس واليمام.
|
6
|
يونيو (حزيران)
|
يبدأ حصاد القمح في أكثر المواضع –
جني العنب – يعقد الجوز والصنوبر – ينضج البطيخ – يزرع الكرنب ثم ينقل في أغسطس –
تيبس الفاكهة تطمر الشقوق التي تظهر في الأرض حـول أشجار العنب لكي لا تصل
الحرارة إلى جذور الشجرة – تظهر فراخ الحجل وتصطاد .
|
7
|
يوليو (تموز)
|
يبدأ درس الزرع – ينضج العنب والكمثرى
السكري والتفاح والموز – يعقد الفستق – التهيؤ لزراعة الجزر .
|
8
|
أغسطس (آب)
|
أفضل الأوقات لحفر الآبار - بدء إضافة السماد للأشجار المثمرة – زراعة
الشطرية والبابونج والخيري السماوي واللفت والجزر والسلق – يظهر باكور الرمان
والعناب – يجمع باكور التمر – يحصد الأرز – تركب الخوابي المعدة للخل – تجمع
بذور السماق وبزر الخشخاش الأبيض ويدق كل جذر تحتها – يهيج فيه النعام للسفاد ما
يقطع من خشب فيه لا يسوس .
|
9
|
سبتمبر (أيلول)
|
جني الجوز واللوز – جني محصول القطن –
جمع الحناء – يلقط فيه الجزر – زراعة نوى الخوخ والزيتون والجوز ونوى النبق
واللوز – يبيض النعام – يزرع شعير البعل في نصف الشهر – زراعة البصل للتنقيل .
|
10
|
أكتوبر(تشرين الأول)
|
أبتداء أهل قنبانية بالزريعة العامة –
البدء بغرس أوتاد التوت وحتى نصف فبراير – زراعة الكتان في أرض البعل – زراعة
الخس البكير – يزرع البصل من هذا الشهر إلى آخر يناير – يجمع فيه برز الخس
التفاح لغرض حفظه – جني الزيتون – تتواضع الغنم .
|
11
|
نوفمبر(تشرين الثاني)
|
البدء بنقل الأشجار المزروعة من النوى
– تغطى الخضرة والأترج والموز والياسمين لكي لا يظر بها الجليد – يحصد القصب –
يجمع فيه ما تبقى من الزيتون والزعفران – يسقط ورق الأشجار – يفضل غرس الكروم
والتفاح والتين – أفضل وقت لدس الحلاوة والطيب والترياق في أنواع الفاكهة – يظهر
أول أنتاج للأبل ونتاجها هذا غير محمود لقلة اللبن .
|
12
|
ديسمبر(كانون ألأول)
|
|
جواد عبد المحسن
حديث رمضان 13
2015
3 تعليقات
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف