العفو مع المقدرة
العفو هو الصفح عن ذنب او هفوة بقصد او بغير قصد,والعفو لصاحب الحق
ان كان ممن يقدر على اخذه فسامح فهذا هو العفو واما ان كان ممن لا يقدر على اخذ
حقه فسامح فلا يسمى عفو وان كان شيئا آخر لعدم وجود المقدرة ,فحتى يسمى عفوا لا بد
من وجود المقدرة عند صاحبها لأن ياخذ الحق
او يسامح .
والعفو للمستطيع تزيد من هيبته ومكانته بين الناس,وقبل هذا وذاك ان
يكون هذا العفو لله تعالى وصدق الله العظيم(وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ
وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)النور, وأما فضله فهو فكثير ...قال تعالى:
{ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[التغابن: 14]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن
يُنْفِذَهُ دعاه الله عز وجل على رُءُوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).
أبو داود والترمذي وابن ماجه.يقول تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت: 34.
فكثيرا ما نتعرض لإساءات
متكررة من الآخرين.. فهذا قد يؤذيك بكلمة أو يتهمك في أهلك ودينك، وقد لا تتصور من
أين قد يأتيك الأذى، وربما لا تتوقعه أيضا من أن يكون من أقرب الناس إليك.. في هذه
الحالة يكون الجرح عميقا، وغالبا ما ينعدم العلاج لذلك..حينها يعيش المرء صراعا مع
الشر لا سيما وإن كان له قرينا يهتف في أذنه ” يجب أن ترد الصاع صاعين”.
ان من أعظم الأخلاق العفو عند
المقدرة فهذه عبادة مهجورة, وهي من صفات الله وأسمائه الحسنى فهو سبحانه “العفو القدير”
أي يعفو بعد مقدرته على الأخذ بالذنب، والعقوبة على المعصية، فالعفو بدون مقدرة قد
يكون عجزاً وقهراً, ولكن العفو مع المقدرة والانتقام فلا شك أنه صفة عظيمة لله فيها
الكمال، فهو سبحانه يحب العفو، ويحب أن يرى عبده يعفو عن الناس.. قال تعالى”خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (الأعراف:199)ويقول
“فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ” (الشورى الآية40)
واما القصة فهي كما روى احمد بن ابي داود قال:ما رايت احدا نزل به
الموت فما شغله ذلك ولا اذهله عما كان يحب ان يفعله الا تميم بن جميل, فإنه لمّا مثل
بين يدي المعتصم ، فأحضر السيف والنطع وأوقف بينهما ، تأمّله المعتصم ، وكان جميلاً
وسيماً ، فأحبّ أن يعلم أين لسانه وجنانه من منظره ، فقال له : تكلّم يا تميم . فقال
: أمّا إذ أذنت يا أمير المؤمنين فأنا أقول الحمد لله الذي أحسن كلّ شيء خلقه وبدأ
خلق الإنسان من طين ، ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، جبر بك صدع الدّين ولمّ
بك شعث المسلمين ، وأوضح بك سبل الحق ، وأخمد بك شهاب الباطل ، إن الذنوب تخرس الألسنة
الفصيحة ، وتعيي الأفئدة الصّحيحة ، ولقد عظمت الجريرة ، وانقطعت الحجّة وساء الظن
، ولم يبق إلاّ عفوك أو انتقامك ، وأرجو أن يكون أقربهما منك وأسرعهما إليّ أشبههما
بك وأولاهما بكرمك ، ثمّ قال على البديهة :
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً ... يـــلاحظني من حيثـــما أتــلفت
وأكـبـــر ظني أنك اليـوم قــاتـلي ... وأي امرىء مما قضى الله يفلت
وأي امرىء يأتــي بـعـذر وحـــجة ... وسيف المنايا بين عينيه مـصلت
ومــا جزعي من أن أمــوت وإنــني ... لأعلم أن المــوت شيء مؤقت
ولكن خـلفي صبية قــد تركتـهم ... وأكبــادهم من حسرة تتــفتت
كأني أراهم حين أنـعـى إلــهم ... وقــد خمشوا تلك الوجوه وصوّتوا
فإن عشت عاشوا خافــضين بغبطة ... أذود الرّدى عنهم وإن مـتّ موّتوا
وكــم قـائل لا يبــعـد الله روحه ... وآخـر ـذلان يسرّ و يشمـت
فتبسمّ المعتصم وقال : كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل ، وقد وهبتك
للصّبية ، وغفرت لك الصّبوة . ثمّ أمر بفك قيوده وخلع عليه , فقد كان تميم بن جميل
السّدوسي قد خرج بشاطىء الفرات ، واجتمع إليه كثير من الأعراب ، فعـظم أمره ، وبعد
ذكره ، ثم ظفر به ، وحمل موثقاً إلى باب المعتصم .
وذات يوم أراد مَعْنُ
بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا
جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا
وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك.
واما القصة الثانية :فقد وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الى طيئ
فريقا من جنده يتقدمهم علي بن ابي طالب-رضي الله عنه- ففزع من ذلك عدي بن حاتم وكان
من أشد الناس عداءا للرسول- صلى الله عليه وسلم-، فصبح علي القوم واستاق خيلهم ونعمهم
ورجالهم ونساءهم الى الرسول - صلى الله عليه وسلم-،فلما عرض عليه الاسرى نهضت من بين
القوم سفانة بنت حاتم ، فقالت :
يا محمد هلك الوالد وغاب
الوافد فإن رأيت أن تخلي عني ،ولا تشمت بي أحياء العرب،فإن أبي كان سيد قومه ،يفك العاني
-الأسير-،ويقتل الجاني ،ويحفظ الجار، ويحمي الذمار،ويفرج عن المكروب ،ويطعم الطعام،ويفشي
السلام،ويحمل الكل -المحتاج-،ويعين على نوائب الدهر،وما أتاه أحد في حاجة ورده خائبا،
انا بنت حاتم الطائي .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- "يا جارية هذه صفات المؤمنين لو
كان ابوك مسلما لترحمنا عليه، خلو عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق" وإمتن
عليها فأطلقها إكراما لها،فاستأذنته في الدعاء،فأذن لها،وقال لأصحابه:"إسمعوا
وعوا" فقالت : أصاب الله ببرك مواقعه،ولا جعل لك الى لئيم حاجة،ولا سلب نعمة عن
كريم قوم الا جعلك سببا في ردها.
فلما أطلقها رجعت الى أخيها عدي وهو بدومة الجندل فقالت له : يا أخي إيت
هذا الرجل قبل أن تعلقك حبائله،فإني رأيت هديا ورأيا سيغلب أهل الغلبة،رأيت خصالا تعجبني:رأيته
يحب الفقير،ويفك الأسير،ويرحم الصغير،ويعرف قدر الكبير،وما رأيت أجود ولا أكرم منه،وإن
يكن نبيا فلسابق فضله،وإن يكن ملكا فلن تذل في عز ملكه،فقدم عدي الى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- فأسلم،وأسلمت سفانة رضي الله عنهما.المصدر : ذكرها محمد ابن اسحاق
في (المغازي)
جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016
0 تعليقات