الامام العادل

الامام العادل

في قوله تعالى(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)الحج,ان الامام هو زمام الامور ونظام الحقوق وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدين والدنيا وهو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده به يمتنع حريمهم وينتصر مظلومهم وينقمع ظالمهم ويأمن خائفهم, وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعاً بلفظ (عدل يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة ]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ٌ وهي مسؤولة ٌ عن رعيتها والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته)البخاري ومسلم.
ولكل من الامام والرعية حقوق فحق الامام على رعيته تضبطه وتنظمه الاحكام الشرعية ,وحقوق الرعية على راعيها تضبطه وتنظمه كذلك الاحكام الشرعية ايضا,وهكذا فهم الاولون هذا الامر, فقد دخل ابو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان ، فقال : السلام عليك أيها الأجير ، فقالوا : قل السلام عليك : أيها الأمير ، فقال السلام أيها الأجير فقالوا : قل أيها الأمير فقال السلام عليك أيها الأجير فقالوا قل الأمير فقال معاوية : دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول فقال : إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها ، فإن أنت هنأت جرباها ، وداويت مرضاها ، وحبست أولاها على أخراها وفاك سيدها أجرك ، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها ، ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها” ابن تيمية, السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية .
ان صاحب السلطان هو بموقع انظار الناس جميعا ,تاخذه العيوب من كل جانب وتقلبه الآراء في كل حين,فهو على يد النقص والفحص دائما وهيهات ان يسلم انسان من عيب او يخلو من نقص او ضعف ,والحاكم هو القائم على الناس والاخذ على ايدي العصاة والخارجين على سلطان طاعته ,وهو بهذا الوجه بغيض لهذه الجهة ومحبب لهذه ومن الشطط اجماع كل الناس على فعل او امر,فمن كان شأنه العوج والانحراف عن الحق لا يدين نفسه ولا مرة واحدة,والشاعر يقول:
ما يدخل السجن انسان فتسأله      ما با سجنك الا قال مظلوم
ان الامام هو الرأس والامة هي الجسد,فلا يعرف الجسد الا بالرأس وهو كما قال كعب الاحبار: مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام؛ والعمود السلطان؛ والأطناب والأوتاد الناس. ولا يصلح بعضها إلا ببعض وقال الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لا يبتنى إلا له عمد              ولا عماد إلا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة            يوماً فقد بلغوا الأمر الذي كادوا
وجاء في عيون الأخبار لابن قتيبة مانصه :عن ابن أبي نجيح قال : لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول : والله إن الذي أدى إلينا هذا لأمين فقال رجل : يا أميرالمؤمنين ، أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله ، فإذا رتعت رتعوا .قال : صدقت
ودخلت فاطمة بنت عبد الملك على زوجها عمر بن عبد العزيز وهو يبكي، فسألته عن سرِّ بكائه، فقال: إني تَقَلَّدْتُ(توليت) من أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أسودها وأحمرها، فتفكرتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري والمجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذوي العيال الكثيرة، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمتُ أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيتُ ألا تثبتَ لي حجة فبكيتُ.
وكتب إلى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه الحسن رحمه الله:
" اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مرات  الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم في حياته. ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى، وخازن المساكين يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال، وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزود له، ولما بعده من الفزع الكبر. واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، ويسلمونك في قعره فريدا وحيدا، فتزود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه. واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالان يا أمير المؤمنين وأنت في مهل، قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا  ولا ذمة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك. لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا، وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحي القيوم. إني يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهي من قبلي فلم آلك شفقة ونصحا، فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه بسقيه الأدوية الكريهة، لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته".


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات