الوفاء والمروءة

الوفاء والمروءة

الوفاء ضد الغدر وهو اتمام الحق بدون نقص,تقول العرب اوفى العهد واوفى الكيل, وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( إنكم وفيتم سبعين أمة . أنتم خيرها وأكرمها على الله ) قال الشيخ الألباني حسن.
ان الوفي هو الذي ياخذ الحق ويعطي الحق , فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء فإنَّ الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق إلا في القول؛ لأنَّه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول, الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أنَّ الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، والغدر كذب بهما؛ لأنَّ فيه مع الكذب نقض العهد.
والوفاء يختصُّ بالإنسان، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش، ولذلك عظَّم الله تعالى أمره فقال تعالى( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة:40، وقال تعالى( وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ) النحل: 91
وَرُوِيَ أَن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ يَا أَخَا ثَقِيفٍ مَا الْمُرُوءَةُ فِيكُمْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الإِنْصَافُ وَالإِصْلاحُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ كَذَلِكَ فِينَا) حلية الأولياء لأبي نعيم.
ومن يخلف الوعد له أربع أحوال في إخلافه بذلك:
الحال الأولى: التعبير العملي عن الكذب منذ إعطاء الوعد أو العهد، وهو في هذا يحمل رذيلة الإخلاف المستند إلى رذيلة الكذب, فمن فقد عنده الوفاء فقد انسلخ من إنسانيته، وقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس. وقد قال الله عز وجل{بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} {آل عمران76} وقد قال الإمام الشافعي " والله لو كان الماء البارد يُنقص من مروءتي لشربته حاراً "فالمروءة من خصال الرجولة فمن كانت رجولته كاملة كانت مروءته حاضرة . وأهم دواعي المروءة شيئان: أحدهما: علو الهمة. والثاني: شرف النفس. ففي الإسلام تعتبر المروءة خلق جليل وأدب رفيع من مكارم الأخلاق التي دعى اليها.
الحالة الثانية: النكث والنقض لما أبرمه والتزم به من وعد وعهد، وهذا يعبر عن ضعف الإرادة وعدم الثبات، وعدم احترام الكلمة وثقة الآخرين بها، وهذا الخلق يفضي بصاحبه إلى النبذ من الفضلاء الذين يوثق بهم وبأقوالهم ,وقد ذم الله ذلك بقوله( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (25)الرعد,ومنه ما قاله مروان  بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: «قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإنّ إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتي» فقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره
الحالة الثالثة: التحول إلى ما هو أفضل وخير عند الله، والانتقال إلى ما هو أكثر طاعة لله، وذلك كالعهد مع الله في التزام أمر من الأمور، فقد تجري المفاضلة بينه وبين غيره، لاختيار ما هو أقرب إلى طاعة الله وتحقيق مرضاته, ويروي أبو هريرة رضي الله عنه هذا الموقف الجليل، قال: بعث النبيُّ خيلاً قِبَل نجد، فجاءت برجل من بني حَنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد، فخرج النبي فقال: ((ما عندك يا ثمامة؟)) فقال: عندي خيرٌ يا محمد، إن تقتلْني تقتلْ ذا دمٍ أي: سيثأر له قومه وإن تُنْعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسَلْ منه ما شئت، فتُرك حتى كان الغد، ثم قال له: (ما عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي ما قلتُ لك، إن تُنْعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد، فقال: ((ما عندك يا ثمامة؟)، فقال: عندي ما قلت لك، فقال رسول الله (أطلقوا ثمامة) ، فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدُك أحبَّ البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسولُ الله وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوتَ؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبةُ حِنطة (قمح) حتى يأذن فيها رسولُ الله..
الحالة الرابعة: العجز عن الوفاء لسبب من الأسباب، ومن عجز عن الوفاء مع صدق رغبته به، وحرصه عليه، فهو معذور لعدم استطاعته.
وأما حالة النسيان فهي من الأمور العامة التي تشمل كل واجب أو مستحب، وتنطبق عليها أحكام النسيان العامة. وصادق الوعد والعهد هو الذي يكون عازمًا على الوفاء منذ إعطائه الوعد أو العهد، ويظل حريصًا على ذلك ما لم يمنعه مانع من التنفيذ يعذر به، أو كان ترك الوفاء استجابة لرغبة من كان الوعد أو العهد من أجله وابتغاء مرضاته أو مسرته
ان الوفاء والمروءة من الصفات المكتسبة والتي يتعلمها المرءويتلقاها تلقيا بالممارسة والتلقين من اهله صغيرا,والتزامه حدود الله عز وجل ورحم الله الشاعر:
اذا المرء اعيته المروءة يافعا....فمطلبها كهلا عليه ثقيل
واما اهمية المروءة فلانها من معالي الامور وقد ورد في الحديث " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ، ويكره سفسافها "  السلسلة الصحيحة    ولأهميتها فقد جعلها كثير من المحدثين شرطا في الراوي حتى يُقبل حديثه ، فمتى انخرمت مروءته تركوا حديثه, وقد قيل لسفيان بن عيينة " قد استنبطت من القرآن كل شيء فأين المروءة في القرآن " قال في قول الله " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " ففيه المرءوة وحسن الآداب ومكارم الأخلاق ، فجمع في قوله " خذ العفو " صلة القاطعين والعفو عن المذنبين والرفق بالمؤمنين ، وفي قوله تعالى " وأمر بالعرف " صلة الأرحام وتقوى الله في الحلال والحرام ، وفي قوله تعالى " وأعرض عن الجاهلين " الحض على التخلق بالحلم والإعراض عن أهل الظلم والتنزه عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة وغير ذلك من الأفعال الحميدة والأخلاق الرشيدة .

ويحكى عن العباس صاحب شرطة المأمون، قال: دخلت إلى مجلس أمير المؤمنين ببغداد يوماً، وبين يديه رجل مكبل بالحديد، فقال لي: يا عباس؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين.قال: خذ هذا إليك فاستوثق به واحتفظ عليه وبكر به إلي في غد واحترز عليه كل الاحتراز.قال العباس: فدعوت جماعة حملوه ولم يقدر أن يتحرك فقلت في نفسي: مع هذه الوصية التي أوصاني بها أميرالمؤمنين من الاحتفاظ به ما يجب إلا أن يكون معي في بيتي، فلما تركوه في داري أخذت أساله عن قضيته وحاله ومن هو؟ فقال: أنا من دمشق.فقلت: جزى الله دمشق خيراً، فمن أنت من أهلها؟قال: وعمن تسأل؟ قلت: أوتعرف فلاناً؟ قال: ومن أين تعرف ذلك الرجل؟ فقلت: وقعت لي معه قضية.فقال: ما كنت بالذي أعرفك خبره حتى تعرفني قضيتك معه؟ فقلت: ويحك! كنت مع بعض الولاة بدمشق فسمعت أهلها، وقد خرجوا علينا حتى أن الوالي خرج في زنبيل من قصر الحجاج، وهرب وأصحابه، وهربت في جملة القوم، فبينما أنا هارب في بعض الدور، وإذا بجماعة يعدون، فما زلت أعدو أمامهم حتى تجاوزتهم، ومررت بهذا الرجل الذي ذكرته لك، وهو جالس على باب داره، فقلت: يا هذا أغثني أغاثك الله؟ قال: لا بأس عليك ادخل الدار.فدخلت، فقالت لي زوجته: ادخل المقصورة.فدخلتها ووقف الرجل على باب الدار، فما شعرت إلا وقد دخل، والرجال معه يقولون هو والله عندك.فقال: دونكم الدار فتشوها ؟ففتشوها حتى لم يبق سوى تلك المقصورة وامرأته فيها، فقالوا: ها هو هنا.فصاحت بهم المرأة ونهرتهم، فانصرفوا، وخرج الرجل وجلس على باب داره ساعة، وأنا قائم أرجف ما تحملني رجلاي من شدة الخوف، فقالت المرأة: اجلس لا بأس عليك.فجلست، فلم ألبث حتى دخل الرجل، فقال: لا تخف فقد صرف الله عنك شرهم وصرت إلى الأمن والدعة إن شاء الله.فقلت: جزاك الله خيراً.فما زال يعاشرني أحسن معاشرة وأجملها وأفرد لي مكاناً من داره ولم يحوجني إلى شيء ولم يفتر عن تفقد أحوالي، فأقمت عنده أربعة أشهر في أتم عيشٍ وأرغده إلى أن سكنت الفتنة وهدأت وزال أثرها، فقلت له: أتأذن لي في الخروج حتى أتفقد حال غلماني، فلعلي أقف منهم على خبر.فأخذ علي المواثيق بالرجوع إليه، فخرجت وطلبت غلماني فلم أر لهم أثراً فرجعت إليه وأعلمته بالخبر، وهو مع هذا كله لا يعرفني بنفسه ولا يعرف من أنا، فقال لي: علام تعزم؟ فقلت: عزمت على التوجه إلى بغداد قال: إن القافلة بعد ثلاثة أيام تخرج.فقلت له: إنك قد تفضلت علي هذه المدة، لك علي عهد الله إنني لا أنسى لك هذا الفضل ولأوفينك مهما استطعت.قال: فدعا بغلام أسود وقال له: أنعل الفرس الفلاني، ثم جهز آلة السفر فقلت في نفسي: ما أشك أنه يريد أن يخرج إلى ضيعة له أو ناحية من النواحي. فأقاموا يومهم ذلك في كد وتعب، فلما كان يوم خروج القافلة جاء في السحر، فقال: يا فلان! قم، فإن القافلة تخرج الساعة، وأكره أن تنفرد عنها. فقلت في نفسي: كيف اصنع وليس معي ما أتزود به ولا ما أكتري به مركباً، ثم قمت، فإذا هو وامرأته يحملان بقجة من أفخر اللباس وخفين جديدين وآلة السفر، ثم جاءني بسيف ومنطقة فشدهما في وسطي، ثم قدم لي غلاماً وعلى كتفه صرتان وفوقهما مرتبة السفر وسجادة من أفخر ما يكون، وأعلمني بما في الصرتين أنه خمسة آلاف درهم، وشد لي الفرس الذي أنعله بسرجه ولجامه، وقال لي: اركب، وهذا الغلام الأسود يخدمك ويسوس مركوبك، وأقبل هو وامرأته يعتذران إلي من التقصير في أمري وركب معي من يشيعني، وانصرفت إلى بغداد، وأنا أتوقع خبره لأفي بعهدي له في مجازاته ومكافاته، واشتغلت مع أمير المؤمنين فلم أقدر أن أتفرغ إلى أن أرسل إليه من يكشف خبره، فلهذا أسأل عنه.فلما سمع الرجل الحديث قال: قد أمكنك الله من الوفاء له ومكافأته على فعله ومجازاته على صنعه بلا كلفة عليك ولا مؤنة تلزمك.فقلت: وكيف ذلك؟ قال: أنا ذلك الرجل، وإنما الضر الذي أنا فيه قد غير عليك حالي وما كنت تعرفه مني، ثم لم يزل يذكر لي تفاصيل الأسباب حتى أثبت معرفته، فما تمالكت أن قمت وقبلت رأسه، ثم قلت له: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ قال: هاجت بدمشق فتنة مثل الفتنة التي كانت في أيامك فنسبت إلي، وبعث أمير المؤمنين بجيوش فضبطوا البلد فأخذت أنا وضربت إلى أن أشرفت على الموت، وقيدت وبعث بي إلى أمير المؤمنين وأمري عنده عظيم، وهو قاتلي لا محالة، وقد أخرجت من عند أهلي بلا وصية، وقد تبعني من ينصرف إليهم بخبري، وهو نازل عند فلان، فإن رأيت أن تجعل من مكافأتك لي أن ترسل من يحضره لي حتى أوصيه بما أريد، فإن أنت فعلت ذلك فقد جاوزت حد المكافأة وقمت بوفاء عهدك.قال العباس: فقلت يصنع الله خيراً.ثم أحضر حداداً في الليل وفك قيوده، وزال ما كان عليه من الإنكال، وأدخله حمام داره، وألبسه من الثياب ما احتاج إليه، ثم سير من أحضر إليه غلامه، فلما رآه جعل يبكي ويوصيه، فاستدعى العباس نائبه وقال: علي بفرسي الفلاني والبغل الفلاني والبغلة الفلانية حتى عد عشرة، ثم عشرة من الصناديق، ومن الكسوة كذا وكذا.قال ذلك الرجل: وأحضر لي بدرة فيها عشرة آلاف درهم وكيساً فيه خمسة آلاف دينار، وقال لعامله في الشرطة: خذ هذا الرجل وشيعه إلى حد الأنبار.فقال له: إن ذنبي عظيم عند أمير المؤمنين وخطبي جسيم، وإن أنت احتجيت بأني هربت بعث أمير المؤمنين في طلبي كل من على بابه فأرادوا قتلي.فقال: انج بنفسك ودعني أدبر أمري.فقال: والله لا أبرح من بغداد حتى أعلم ما يكون من خبرك، فإن احتجت إلى حضوري حضرت.فقال لصاحب الشرطة: إن كان الأمر على ما يكون، فليكن في موضع كذا وكذا، فإن أنا سلمت في غداة غدٍ أعلمته، وإن أنا قتلت وقيته بنفسي كما وقاني بنفسه، وأنشدك الله أن لا يذهب من ماله درهم، وتجتهد في إخراجه من بغداد.قال الرجل: فأخذني صاحب الشرطة وصيرني في مكان يثق به، وتفرغ العباس لنفسه وتحنط وجهز له كفناً.قال العباس: فلم أفرغ من صلاة الصبح إلا وأرسل المأمون في طلبي يقولون: يقول لك أمير المؤمنين: هات الرجل معك وقم.قال: فتوجهت إلى دار أمير المؤمنين وإذا هو جالس وعليه كآبة، فقال: أين الرجل؟ فسكت، فقال: ويحك أين الرجل؟ فسكت، فقال ويحك أين الرجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين اسمع مني ما أقول.فقال: لله علي عهد، لئن ذكرت أنه هرب لأضربن عنقك.فقلت لا والله، يا أمير المؤمنين إنه ما هرب، ولكن اسمع حديثي معه كيت وكيت، وقصصت عليه القصة جميعها وعرفته أني أريد أن أفي له وأكافئه على ما فعله معي، وقلت: أنا وسيدي ومولاي أمير المؤمنين بين أمرين: إما أن يصفح عني، وقد وفيت وكافأت، وإما أن يقتلني فأقيه بنفسي وقد تحنطت، وها كفني يا أمير المؤمنين.فلما سمع المأمون الحديث قال: ويحك، لا جزاك الله خيراً عن نفسك، إنه فعل بك ما فعل من غير معرفة، وتكافئه بعد المعرفة والعهد بهذا لا غير؟ هلا عرفتني خبره، فكنت أكافئه عنك ولا أقصر بوفائي له؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنه ههنا، وقد حلف أنه لا يبرح حتى يعرف سلامتي، فإن احتجت إلى حضوره حضر.فقال المأمون: وهذه منة أعظم من الأولى، اذهب الآن فطيب نفسه وسكن روعه وائتني به حتى أتولى مكافأته عنك.قال: فأتيت إليه وقلت: ليزل عنك حزنك، إن أمير المؤمنين قال كيت وكيت.فقال: الحمد لله الذي لا يحمد على السراء والضراء أحد سواه. ثم قام فصلى ركعتين، ثم أتيت به إلى أمير المؤمنين، فلما مثل بين يديه أقبل عليه وأدنى مجلسه وحدثه حتى حضر الغداء وأكل معه وخلع عليه وعرض عليه أعمال دمشق فاستعفى عنها، فأمر له المأمون بعشرة أفراس بسروجها ولجمها، وعشرة بغال بآلاتها، وعشر بدر، وعشرة آلاف دينار، وعشرة مماليك بدوابهم، وكتب إلى عامله بدمشق بالوصية به، وأطلق خراجه، وأمر بمكاتبته بأحوال دمشق، فصارت كتبه تصل إلى المأمون وكلما وصلت خريطة البريد وفيها كتابه يقول لي:ياعباس هذا كتاب صديقك، والله أعلم.عن العقد الفريد.


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات