آداب المجلس

آداب المجلس


يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[البقرة:208].
ففي هذه الآية خاطب الله المؤمنين وأمرهم بالدخول في السلم كافة جميعاً، ويعني ان يأخذوا الدين أخذاً كما أراد الله عز وجل، وأن من فرط في ذلك عمداً فهو متبع لخطوات الشيطان، وأنه متجاري معه وحليف  لأعدى أعداء الله، وأوضح الأعداء الشيطان في قوله تعالى﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾[البقرة:208]، فبين ربنا سبحانه وتعالى كل امور ديننا وصدق الله العظيم﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3].
ومما أتمه الله سبحانه وتعالى لنا آداب المجالس، بينه ربنا سبحانه وتعالى في قوله﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾آل عمران:191:190.
غقد اثنى الله عز وجل ثناء عظيماً في هذه الآيات على من أعطى المجلس حقه، وأعظم حقوق المجالس ذكر الله عز وجل، فمن جلس يذكر الله فإنه جلس في مجلس يباهي الله سبحانه وتعالى به ملائكته، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على قوم في مجلس فقال: « ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما من علينا به من الإسلام وهدانا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل، فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)وهذا خير المجالس.
إن المجالس لا شك أن منها ما هو خير ومنها ما هو شر، ومنها بين ذلك من الأمور المباحة، وخير المجالس ما استغل في ذكر الله وطاعته، وخير المجالس ما كان للتفقه في دين الله فإنه مجلس ذكر، قال عطاء بن أبي رباح: مجالس الذكر مجالس الحلال والحرام، والذاكرون الله كثيراً هم أهل هذه المجالس الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾الأحزاب:35، هكذا يقول النووي رحمه الله وغيره: أن الذاكرين الله كثيراً تشمل مجالس الذكر,وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»وله لفظ آخر بنحوه عن أبي سعيد و أبي هريرة بلفظ: «وما جلس قوم مجلساً يذكرون الله إلا نزلت عليهم السكينة».. الحديث.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً يتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى كانوا بينهم وبين السماء الدنيا فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل - وهو أعلم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عبادٍ لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قال وماذا يسألوني قالوا يسألونك جنتك قال وهل رأوا جنتي قالوا لا أي رب قال فكيف لو رأوا جنتي قالوا ويستجيرونك قال ومم يستجيرونني قالوا من نارك قال وهل رأوا ناري قالوا لا قال فكيف لو رأوا ناري قالوا يستغفرونك قال فيقول قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا قال يقولون رب فيهم فلان عبدٌ خطاء إنما مر فجلس معهم قال فيقول وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم »، وإن كان مر لحاجة، لكن ذلك مجلس رحمة، ذلك مجلس فوز لا يشقى بهم جليسهم.
إن مثل هذه المجالس مجالس ترضي الله سبحانه وتعالى، ففي الصحيحين من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حلقة مع أصحابه فجاء ثلاثة نفر، أما أحدهم فإنه رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس وراء الحلقة، وأما الثالث فولى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قضى حديثه مع أصحابه: ألا أنبئكم عن النفر الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه»، ففهمنا من الحديث أن مجالس الذكر مجالس إيواء الله سبحانه وتعالى للعبد، وإذا آواك الله لا ينفرك أحد، وإذا سكنك الله لا ينفرك أحد،ومن كان الله معه فهو راحمه ,فاسألوه الرحمة لي ولكم, وأنت مع الملائكة، وأنت في مجلس ذكر.
إن هذه المجالس زهد فيها كثير من الناس فليس فيها ما يحبون سماعه ,ولا فيها قضاء مصالح ,فهي مجانية لا تذاكر دخول ومع الاسف لا اقبال عليها مع وجود العلم الغزير والخير العميم,بعكس غيرها تتزاحم الاعناق على شبابيك التذاكر وهم يسمونها الملاهي وليس غيرهم مع الاسف,فزهدوا في مجالس العلم والذكروهم يعلمون انها مجالس رحمة الله سبحانه وتعالى، ومجالس سكينته.
هذا ومن أسوأ المجالس مجالس الكذب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه « ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ، ويل له ويل له»  رواه أبو داود,
وقوله صلى الله عليه وسلم  « إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك الناس ، يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض ، وإنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدميه »مسند عبد الله بن المبارك ، فإن مجالس الكذب ربما تكلف فيها الكذب من أجل إضحاك الناس(والترفيه عنهم) وتقسية قلوبهم، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي، وإن أسوأ المجالس مجالس الأهواء(نسهر ونتسلى) فقد قال ابن عباس رضي الله عنه (لا تجالسوا أهل الأهواء، فإن مجالستهم ممرضة)، ونقل عن أبي قلابة (لا تجالسوا أهل الأهواء فإني أخشى أن يغمسوكم في البدعة أو يلبسوا عليكم دينكم) فمجالس الأهواء ومجالس أهل البدع مجالس سوء، مجالس شر، ولأن يبتعد الإنسان منها يكون قد ابتعد عن الفتن، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من استشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به» هذه مجالس يستعاذ منها، وتتجنب؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة»، هذا مجلس شر، هذا مجلس حرق، هذا مجلس نار إي والله مجالس السوء، فقد ثبت أصله في سنن الترمذي و أبي داود عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن أحدهم كان يلقى الرجل على المنكر فينهاه، ثم يأتيه من الغد على الحال الذي وجده عليه فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وجليسه، فلما رأى الله عز وجل منهم ذلك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم وقرأ ابن مسعود : ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾المائدة:78-79».
ومن أسوأ المجالس ايضا مجالس الزور، فقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾الفرقان:73:72، وهذا ثناء من الله على الذين لا يشهدون أماكن الزور ومجالس الزور ومجالس الفتن ومجالس قسوة القلوب والغيبة والنميمة وغير ذلك مما يغضب الله سبحانه وتعالى, فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة »، وما ذلك إلا لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولهذا لم يحضروا مجلساً فيه كلب ولا مجلساً فيه صورة، كل ذلك بعداً منهم عن مجالس الزور التي فيها الفتنة.
ومن أسوأ المجالس مجالس التناجي بالباطل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾المجادلة:11فمجالس التخطيط للمآمرات ضد المسلمين افرادا او جماعة لاقرار قانون او ترويج فكرة غربية للفت في عضد المسلمين وكل ما يدور ضمن هذه الدائرة وما يسمى(الكولسة)ولايبتغى فيها الخير فانها من اسوا المجالس.
أن أماكن العلم هي أفضل مجلس على وجه الأرض فأماكن العلم أماكن الملائكة  وكذا أماكن العلم وأماكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الله, فان لهذه آداب يتوجب التادب بها؛ ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: يا رسول الله مجالسنا ما لنا منها بد، قال: إن أبيتم إلا الجلوس، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكفى الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، هذه آداب من آداب المجالس لا ينبغي أن تهمل، من أهملها ضيع حقاً من حقوق الشريعة، وبقدر تضييعه له يخسر وبقدر التزامه به يفلح، هذا من آداب المجالس، الذي يريد أن يجلس مجلساً يعطيه حقه.
رد السلام: فيفشي السلام إذا دخل وهكذا إذا قام من المجلس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم فليسلم ثم إذا انصرف فليسلم فليست الأولى بأحق من الثانية»، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه»، فإذا حصل مجلس فيه تناجي حصل أن ذلك المجلس لا بركة فيه، وأنه فيه معصية
أتزهد أيها المسلم في مثل هذا المجلس في أن الملائكة تستغفر لك؟! ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾[غافر:7]، وهذه المجالس من اتباع سبيل الله، ومن أسباب استغفار الملائكة.

والحذر الحذر من مجالس السوء.. ومن مجالس الفتنة.. ومن مجالس الزور.. ومن مجالس الفراغ التي لا ذكر فيها ولا تدبر وتفكر ,فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم يوم القيامة حسرة» رواه أبو داوود في كتاب الأدب ، ونسغفر الله على تضييع الأوقات وعلى ما حصل منا في هذه الحياة الدنيا.

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات