نمارس اخلاقنا

نمارس اخلاقنا


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبًا بوصية رسول الله وأقنوهم ـ علموهم ـ ) أخرجه ابن ماجه,وهذا ما فعله المسلمون الفاتحون للارض فقد حملوا النور مع السيوف على ظهور خيلهم,فانهم تعلموا من سيد الخلق العلم العملي من كونه هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا,وحمل الرجال بعده ليعم هذا الخير وينتشر هذا النور,فليس المال او الغنائم همهم ولا القتل ديدنهم بل هم هداة يحملون الاسلام فمن اعترضهم ذل ومن عاندهم خسر ومن دخل في دينهم صار منهم,فاحببت ان اطرح عليكم صورا لعزهم وكيفية تعاطيهم مع اهل البلاد التي فتحوها ,فقد ذهب كثير من اعداء الاسلام لتصوير الفتوحات الاسلامية على ان دافعها اقتصادي او وجود الفقر في الجزيرة العربية فخرج هؤلاء القوم بحثا عن غني وما ذكروا انهم حملوا الاسلام لهم وما ذكروا ظلم الفرس والروم بل كان همهم الطعن في الاسلام.
 قال بعض من حضر هذا اليوم ممن سبى فى القادسية ثم حسن إسلامه: لما كان هذا اليوم الذى قدم فيه وفود العرب على يزدجرد ثاب إليهم الناس ينظرون إليهم، فلم أر عشرة قط يعدلون فى الهيئة بألف غيرهم، وخيلهم تخبط ويوغر بعضها بعضا. وجعل أهل فارس يسؤهم ما يرون من حالهم وحال خيلهم، فلما دخلوا على يزدجرد أمرهم بالجلوس، وكان سيئ الأدب، فكان أول شىء دار بينه وبينهم أن قال لترجمانه: سلهم ما يسمون هذه الأردية؟ فسأل النعمان بن مقرن، وكان على الوفد: ما تسمى رداءك؟ قال:البرد. قال: فتطير لموافقة هذا الاسم اسم شىء متطير به عندهم، وتغيرت ألوان فارس، وشق ذلك عليهم. ثم قال: سلهم عن أحذيتهم، فسأله. فقال: النعال، فتطير، أيضا، لمثل ذلك، ثم سأله عن الذى فى يده، فقال: سوط، والسوط بالفارسية الحريق، فقال:أحرقوا فارس أحرقهم الله، وكان تطيره على أهل فارس، ثم قال لترجمانه: سلهم ما جاء بكم، وما دعاكم إلى غزونا والولوغ ببلادنا؟ أمن أجل أنا أجممناكم، وتشاغلنا عنكم، اجترأتم علينا؟ فقال لهم النعمان بن مقرن: إن شئتم أجبت عنكم، ومن شاء آثرته.
قالوا: بل تكلم، وقالوا للملك: كلام هذا الرجل كلامنا. فتكلم النعمان. فقال إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة، فلم يدع لذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين: فرقة تقاربه، وفرقة تباعده، ولا يدخل معه فى دينه إلا الخواص. فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث، ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب، ويبدأ بهم ففعل، فدخلوا معه جميعا على وجهين: مكره عليه فاغتبط، وطائع أتاه فازداد، فعرفنا جميعا فضل ما جاءنا به على ما كنا عليه من العداوة والضيق، ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، فنحن ندعوهم إلى ديننا، وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون ما آخر شر منه الجزاء، فإن أبيتم فالمناجزة، فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله، وأقمناكم عليه، وعلى أن تحكموا بأحكامه، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم، فإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا منكم ومنعناكم، وإلا قاتلناكم.
فتكلم يزدجرد فقال‏:‏ ‏(‏إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددًا ولا أسوأ ذات بينٍ منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا أمركم لا تغزوكم فارس ولا تطمعوا أن تقوموا لفارس فإن كان غرر لحقكم فلا يغرنكم منا وإن كان لجهد دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكًا يرفق بكم‏.‏
وفي مصر عن مُحَمَّد بْن إسحاق ، قال : وحدثني القاسم بْن قزمان ، رجل من أهل مصر ، عن زياد بْن جزء الزبيدي أنه حدثه : أنه كان في جند عمرو بْن العاص ، حين افتتح مصر والإسكندرية ، قال : افتتحنا الإسكندرية في خلافة عمر بْن الخطاب في سنة إحدى وعشرين أو سنة اثنتين وعشرين ، قال : لما افتتحنا بابليون تدنينا قرى الريف ، فيما بيننا وبين الإسكندرية قرية فقرية ، حتى انتهينا إلى بلهيب ، قرية من قرى الريف ، يقال لها قرية الريش ، وقد بلغت سبايانا المدينة ومكة واليمن ، قال : فلما انتهينا إلى بلهيب ، أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بْن العاص : إني قد كنت أخرج الجزية ، إلى من هو أبغض إلي منكم معشر العرب ، لفارس والروم ، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علي ما أصبتم من سبايا أرضي فعلت ، قال : فبعث إليه عمرو بْن العاص : إن ورائي أميرا لا أستطيع أن أصنع أمرا دونه ، فإن شئت أن أمسك عنك وتمسك عني ، حتى أكتب إليه بالذي عرضت علي ، فإن هو قبل ذلك منك قبلت ، وإن أمرني بغير ذلك مضيت لأمره.
قال : فقال : نعم.
قال : فكتب عمرو بْن العاص إلى عمر بْن الخطاب ، قال : وكانوا لا يخفون علينا كتابا كتبوا به ، يذكر له الذي عرض عليه صاحب الإسكندرية ، قال : وفي أيدينا بقايا من سبيهم ، ثم وقفنا ببلهيب ، وأقمنا ننتظر كتاب عمر حتى جاءنا ، فقرأه علينا عمرو وفيه : أما بعد ، فإنه جاءني كتابك تذكر أن صاحب الإسكندرية ، عرض أن يعطيك الجزية على أن ترد عليه ما أصيب من سبايا أرضه ، ولعمري لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلي من فيء يقسم ثم كأنه لم يكن ، فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية ، على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الإسلام ، وبين دين قومه ، فمن اختار منهم الإسلام ، فهو من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، ومن اختار دين قومه ، وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه ، فأما من تفرق من سبيهم بأرض العرب فبلغ مكة والمدينة واليمن ، فإنا لا نقدر على ردهم ، ولا نحب أن نصالحه على أمر لا نفي له به ، قال : فبعث عمرو إلى صاحب الإسكندرية ، يعلمه الذي كتب به أمير المؤمنين ، قال : فقال : قد فعلت.
قال : فجمعنا ما في أيدينا من السبايا ، واجتمعت النصارى ، فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ، ثم نخيره بين الإسلام وبين النصرانية ، فإذا اختار الإسلام ، كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية ، قال : ثم نحوزه إلينا ، وإذا اختار النصرانية ، نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ، ووضعنا عليه الجزية ، وجزعنا من ذلك جزعا شديدا ، حتى كأنه رجل خرج منا إليهم ، قال : فكان ذلك الدأب حتى فرغنا منهم ، وقد أتي فيمن أتينا به ، بأبي مريم عبد اللَّه بْن عبد الرحمن ، قال القاسم : وقد أدركته وهو عريف بني زبيد ، قال : فوقفناه ، فعرضنا عليه الإسلام والنصرانية ، وأبوه وأمه وإخوته في النصارى ، فاختار الإسلام ، فحزناه إلينا ، ووثب عليه أبوه وأمه وإخوته يجاذبوننا ، حتى شققوا عليه ثيابه ، ثم هو اليوم عريفنا كما ترى ، ثم فتحت لنا الإسكندرية فدخلناها .

جاء في تاريخ الواقدي "أن "المقوقس" عظيم القبط في مصر، زوج بنته "أرمانوسة" من "قسطنطين بن هرقل" وجهزها بأموالها حشمًا لتسير إليه، حتى يبني عليها في مدينة قيسارية؛ فخرجت إلى بلبيس وأقامت بها... وجاء عمرو بن العاص إلى بلبيس فحاصرها حصارًا شديدًا، وقاتل من بها، وقتل منهم زهاء ألف فارس، وانهزم من بقي إلى المقوقس، وأخذت أرمانوسة وجميع ما لها، وأخذ كل ما كان للقبط في بلبيس. فأحب عمرو ملاطفة المقوقس، فسير إليه ابنته مكرمة في جميع ما لها، "مع قيس بن أبي العاص السهمي"؛ فسُرَّ بقدومها...". 


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات