النصيحة

النصيحة

نصح : نصح الشيء : خلص . والناصح : الخالص من العسل وغيره . وكل شيء خلص فقد نصح ، قال ساعدة بن جؤية الهذلي يصف رجلا مزج عسلا صافيا بماء حتى تفرق فيه :
فأزال مفرطها بأبيض ناصح      من ماء ألهاب بهن التألب
وقال النضر : أراد أنه فرق به خالصها ورديئها بأبيض مفرط أي بماء غدير مملوء . والنصح : نقيض الغش مشتق منه نصحه وله نصحا ونصيحة ونصاحة ونصاحة ، وهو باللام أفصح ، قال الله تعالى على لسان نوح {وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} الأعراف: 62 وعلى لسان هود {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} الأعراف: 86 وعلى لسان صالح: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} الأعراف: 79 وعلى لسان شعيب: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)} الأعراف: 93.ويقال : نصحت له نصيحتي نصوحا أي أخلصت وصدقت ، والاسم النصيحة . والنصيح : الناصح وقوم نصحاء ، وقال النابغة الذبياني :
نصحت بني عوف فلم يتقبلوا     رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي
النصيحة اصطلاحاً: قال أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: "النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادةً وفعلاً، فنجد أنه جمع بين الإرادة والفعل".وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه  الله : النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له.
حكم للنصيحة:
الأصل في النصيحة الوجوب لقول الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة، الآية: 2، وفي الحديث عن  أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النبي قَالَ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، عن تميم بن أوس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) رواه البخاري ومسلم .وقد نقل الإمامان النووي وابن حزم رحمها الله الإجماع على وجوب الأمر  بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا أجمع المسلمون بأن النصيحة من الدين، فالنصيحة مشروعة وينبغي إظهارها بين الناس.
وأما حكم النصيحة للأفراد ففيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: ان النصيحة فرض على كل مسلم، ووجوبها قال الرسول - صلى الله عليه وسلم  "إذا استنصحك فانصح له" رواه أحمد.وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم "إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمطه عنه" رواه الترمذي فابانةالطريق وعواقب الامر نصح فالذي يقول للسائر فيها اتق الله فانها طريق مهلكة فقد نصح ,وتكون بطلب او بغير طلب فالناصح هم مرشد للهدى .
القول الثاني: إن النصيحة فرض على الكفاية، فليس كل مسلم قادر على بذل النصح,ولكنه مامور بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر قال سفيان الثوري : (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال : رفيق فيما يأمر رفيق فيما ينهى ، عدلٌ بما يأمر عدلٌ فيما ينهى ، عالمٌ فيما يأمر وعالمٌ فيما ينهى)[ جامع العلوم والحكم] وهو الأصل في أسلوب الأمر والنهي ، وما كان على خلافه فهو الاستثناء ، والنبي صلى الله عليه و سلم  قال (إنّ الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) أخرجه مسلم عن عائشة وقال (إن الرفق لا يكون في شيء إلاّ زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه) , ويقول ابن تيمية(ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ، ونهيك عن المنكر غير منكر) وأمثلة جدوى الرفق في هذا المقام من السيرة النبوية وتراجم المصلحين أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، وهو موضوع طويل بالإمكان أن يفرد بالبحث فيملأ الكثير من الصفحات ، وهنا أشير إلى نقطة مهمة ، وهي أن النهي عن المنكر ليست عقوبة بل هو إما تذكير (باللسان) أو تغيير وإزالة (باليد) والأمر والنهي والإزالة حق لكل مسلم بشروطه .
القول الثالث: ان النصيحة فرض عين في الحالات التالية فقط:
إذا استنصحك المسلم او إذا كان الرجل ولي أمرٍ، سواءً كان والياً للحسبة, أووالداً أو زوجاً فلا بد من بذلها ومحصها لتصل صافية نقية بغض النظر عن أي تبعات لانه راع وهو مسؤول عن رعيته فلا يتاتى لراع ان يغش رعيته.
ان النصيحة في الأصل حق للمسلم على أخيه المسلم، ولكن هذا الحق يتأكد ويزداد وجوباً إذا استنصحك أخوك وطلب منك النصيحة في أمر خاص أو شأنه العام. فإذا طلبها منك مسلم وجبت عليك عياناً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من حق المسلم على المسلم إذا استنصحه أن ينصحه"  قال الماوردي: وينبغي لمن أُنزل منزلة المستشار وأُحل محل الناصح المواد حتى صار مأمول النُجح، مرجو الصواب، أن يؤدي حق هذه النعمة بإخلاص السريرة ويكافىء على الاستسلام ببذل النصح.. وكما لا يجوز أن تبخل على أخيك المسلم المحتاج إلى مالك أو المحتاج إلى نصرتك أو المحتاج إلى متاعك فكذلك لا يجوز لك أن تضن على أخيك المسلم برأيك الناصح وقولك الصادق ونصحك الخالص فقد يكون إليه أشد احتياجاً منه إلى ما في الدنيا كلها. وقد كان من سنة الملوك اتخاذ المستشارين الناصحين الذين يرجعون إليهم في المعضلات ويأخذون بآرائهم في المهمات، دون أن يعيبهم ذلك أو ينقص من أقدارهم، ودون أن تنال المستشارين منهم غضبة إذا خالفوهم الرأي، ودون أن تفشي أسرارهم أو يطلع عليها أعداؤهم. وفي هذا المجال قال عليه الصلاة والسلام مشجعاً على طلب النصح ومسؤولية الناصح (المستشير معان والمستشار مؤتمن)جامع الاحاديث .
ومما يؤكد عليه ويذكر به ويجب الانتباه إليه أن من استشير في أمر فليس له أن يكشف السر لأحد ولا أن يذيع ما وصل إليه من معلومات خاصة في مجالس الناس وندوات ودواوينهم حتى ولو وقعت بينه وبين مستشيره خصومة أو عداوة وإلا كانت استشارته خطرة وخطأ ومصيبة أشبه ما تكون بقنبلة زمنية لا يدري متى تنفجر.
 الفرق بين الغيبة والنصيحة
يقول ابن القيم: والفرق بين النصيحة والغيبة أن النصيحة يكون القصد فيها تحذير المسلم من مبتدع أو فتان أو غاش أو مفسد، فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ومعاملته والتعلق به  كما قال النبي لفاطمة بنت قيس وقد استشارته في نكاح معاوية وأبي جهم، فقال: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضح عصاه عن عاتقه".
                  القـدحُ ليس بِغيبـةٍ في سِتَّةٍ        مُتظلِّمٍ ومُعـرِّفٍ ومُحـذِّرِ
                ولِمُظهِرٍ فِسقًا ومُستَفتٍ ومَن       طلبَ الإعانةَ في إزالةِ مُنكرِ
قال الإمام النَّووي رحمه الله في «رياض الصالحين»: باب ما يُباح من الغِيبة :
اعلَم أن الغِيبة تُباح لغرضٍ صحيح شرعيٍّ لا يمكن الوصول إليه إلا بها؛ وهو ستَّة أسباب:
الأوَّل: التَّظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السُّطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالِمه، فيقول: ظلمني فلانٌ بكذا.
الثَّاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردِّ العاصي إلى الصَّواب؛ فيقول لمن يرجو قدرتَه على إزالة المنكر: فلانٌ يعمل كذا؛ فازجُره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصُّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك؛ كان حرامًا.
الثَّالث: الاستفتاء: فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان.. بكذا؛ فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقِّي، ودفع الظلم.. ونحو ذلك فهذا جائزٌ للحاجة، ولكن الأحوطَ والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخصٍ أو زوجٍ كان مِن أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرضُ من غير تعيينٍ، ومع ذلك؛ فالتعيينُ جائزٌ.
الرَّابع: تحذير المسلمين من الشرِّ ونصيحتُهم، وذلك من وجوهٍ:
منها: جرحُ المجروحين من الرُّواة والشُّهود، وذلك جائزٌ بإجماع المسلمين؛ بل واجبٌ للحاجة.
ومِنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مُشاركته، أو إيداعه، أو مُعاملته، أو غير ذلك، أن محاورتِه، ويجب على المشاوِر أن لا يُخفي حالَه؛ بَل يذكر المساوئَ التي فِيهِ بِنِيَّة النَّصيحة.
ومِنها: إذا رأى متفقِّهًا يتردَّد إلى مُبتدِع، أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرَّر المتفقِّه بذلك؛ فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرطِ أن يقصد النصيحة، وهذا مما يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلِّم بذلك الحسدُ، ويُلبِّس الشيطانُ عليه ذلك، ويُخيَّل إليه أنه نصيحة؛ فلْيُتفطَّن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولايةٌ لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحًا لها، وإما بأن يكونَ فاسقًا، أو مغفَّلًا، ونحو ذلك؛ فيجبُ ذِكر ذلك لمن له عليه ولايةٌ عامَّة ليُزيله، ويُولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليُعاملَه بمقتضى حالِه، ولا يَغترَّ به، وأن يسعى في أن يحثَّه على الاستقامةِ أو يستبدِل به.
الخامس: أن يكون مُجاهرًا بِفسقه أو بدعته كالمجاهِر بِشُرب الخمر، ومصادرة النَّاس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظُلمًا، وتولِّي الأمور الباطلة؛ فيجوزُ ذِكره بما يُجاهر به، ويحرم ذِكرهُ بغيرِه من العيوب؛ إلا أن يكونَ لجوازهِ سببٌ آخر مما ذكرناه.
السَّادس: التَّعريف. فإذا كان الإنسانُ معروفًا بِلقبٍ؛ كالأعمشِ، والأعرج، والأصمِّ، والأعمى، والأَحوَل، وغيرهم؛ جازَ تعريفُهم بذلك، ويحرمُ إطلاقُه على جهةِ التَّنقيص، ولو أمكن تعريفُه بغيرِ ذلك؛ كان أَولى.
فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين، فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات، وإذا وقعت على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه، والغض منه لتضع من منزلته في قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب.
كتمان النصيحة:
قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "حق المسلم على المسلم ست"، قيل: ما هي يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" رواه مسلم,وأن تكون النصيحة سرا قال الشافعي:
        تغمدني بنصحك في انفرادي ...   وجنبني النصيحة في الجماعة
        فإن النصح بين الناس نوع ...     من التوبيخ لا أرضى استماعه
وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، ما بال أحدكم يفعل كذا"، وقيل: النصح ثقيل فلا تجعله جبلا، ولا ترسله جدلا.
فالنفس البشرية لا تقبل أن يطلع الناس على عيبها، فلو نصحت أخاك سرا كان ذلك أرجى لقبوله النصيحة، أما إذا نصحته علنا أمام الناس، فقد يظن أنك تشهر به، وتظهر الفضل والعلم عليه، وقد يمنعه ذلك من تقبل النصيحة، بل قد يرفضها في الحال إنكارا لفعلك مع اقتناعه بالنصيحة.
آداب المنصوح
1 - تقبل النصيحة بصدر رحب: دون ضجر أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة على أي وجه، وقدمها على أحسن وجه.
2 - عدم الإصرار على الباطل: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} البقرة: 206.
3 - شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أحب الناس إلي من أهدى إليَّ عيبا.
كتب الظاهر بيبرس الى امير مكة وقد بلغه انه ظلم الحجاج والمسافرين وعاث في الارض فسادا من بيبرس سلطان مصر إلى الشريف الحسيب النسيب أبي نمي محمد بن أبي أسعد.. أما بعد: ((فإن الحسنة في نفسها حسنة وهي من بيت النبوة أحسن! والسيئة في نفسها سيئة وهي من بيت النبوة أسوأ! وقد بلغنا عنك أيها السيد أنك أبدلت حرم الله بعد الأمن بالخيفة وفعلت ما يحمر به الوجه.. وتسود الصحيفة، ومن العجب كيف تفعلون وجدكم الحسن وتقاتلون حيث لا تكون الفتن ولا تقاتلون حيث تكون الفتن هذا وأنت من أهل الكرم وسكان الحرم فكيف آويت المجرم واستحللت دم المحرم ومن يهن الله فما له من مكرم، فإما أن تقف عند حدك وإلاّ أغمدنا فيك سيف جدك والسلام)).
واما القصة: عن علقمة بن أبي مرثد قال: لما قدم عمر بن هبيرة العراق, أرسل إلى الحسن وإلى الشعبي, فأمر لهما ببيت, فكانا فيه نحواً من شهر, ثم دخل عليهما وجلس معظماً لهما,
فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبدالملك يكتب إليّ كتباً, أعرف أن في إنفاذها الهلكة, فإن أطعته عصيت الله, وإن عصيته أطعت الله, فهل تريان في متابعتي إياه فرجاً ؟
فقال الحسن: يا أبا عمرو, أجب الأمير . فتكلم الشعبي, فانحط في أمر ابن هبيرة, كأنه عذره, فقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟
قال: أيها الأمير, فقد قال الشعبي ما قد سمعت. فقال: ما تقول أنت؟ قال: أقول :
يا عمر بن هبيرة, ويوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى فظ غليظ لا يعصي الله ما أمره, فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك.
يا عمر بن هبيرة, إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك, ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله تعالى.
يا عمر بن هبيرة, لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك, فيغلق به باب المغفرة دونك.
يا عمر بن هبيرة, لقد أدركت أناساً من صدر هذه الأمة, كانوا عن الدنيا وهي مقبلة عليهم أشد إدباراً من إقبالكم عليها وهي مدبرة عنكم.
يا عمر بن هبيرة, إني أخوفك مقاما خوفكه الله تعالى فقال: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [ إبراهيم ].
يا عمر بن هبيرة, إن تك مع الله في طاعته, كفاك يزيد بن عبد الملك, وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله, وكلك الله إليه ,.
فبكى عمر بن هبيرة وقام بعبرته.
فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما, وأكثر فيها للحسن, وكان في جائزة الشعبي بعض الإقتار, فخرج الشعبي إلى المسجد. فقال: أيها الناس, من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالى على خلقه فليفعل, فوالذي نفسي بيده, ما علم الحسن شيئاً منه فجهلته, ولكني أردت به وجه ابن هبيرة, فأقصاني الله منه.
كتاب مختصر منهاج القاصدين للإمام المقدسي ص152-ص153
لما حج سليمان بن عبدالملك قال: انظروا الي فقيها اسأله عن بعض المناسك، قال: فخرج الحاجب يلتمس له، فمر طاوس فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب فقال: اجب امير المؤمنين، فقال: اعفني، فأبى، فأدخله عليه، قال طاوس: فلما وقفت بين يديه قلت: ان هذا المقام يسألني الله عنه، فقال: يا امير المؤمنين، ان صخرة كانت على شفير جهنم هوت فيه سبعين خريفا حتى استقرت في قرارها، اتدري لمن اعدها الله؟ قال: لا ويلك، لمن اعدها؟ قال: لمن اشركه الله في حكمه فجار (يعني ظلم).
وقال ابن كثير: قال سليمان بن عبدالملك لطاوس: حدثنا، فقال طاوس: حدثني ابن عباس ان آخر آية نزلت في كتاب الله (واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) البقرة: 281.
واما القصة الثانية:فقد ذكر صاحب العقد الفريد انه: روى زياد عن مالك بن أنس قال: بعث أبو جعفر المنصور إلي وإلى ابن طاوس، فأتيناه فدخلنا عليه، فإذا هو جالس على فرش قد نضدت، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق. فأموا إلينا: أن اجلسا. فجلسنا. فأطرق عنا طويلاً، ثم رفع رأسه والتفت إلى ابن طاوس، فقال له: حدثني عن أبيك. قال: نعم، سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله. فأمسك ساعة. قال مالك: فضممت ثيابي من ثيابه مخافة أن يملأني من دمه. ثم التفت إليه أبو جعفر فقال: عظني يا ابن طاوس. قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد. الذين طغوا في البلاد. فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد " . قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأ ثيابي من دمه. فأمسك ساعة حتى اسود ما بيننا وبينه. ثم قال: يا ابن طاوس، ناولني هذه الدواة. فأمسك عنه، ثم قال: ناولني هذه الدواة: فأمسك عنه. فأمسك عنه. فقال: ما يمنعك أن تناولنيها؟ قال: أخشى أن تكتب بها معصية الله فأكون شريكك فيها. فلما سمع ذلك قال: قوماً عني قال ابن طاوس: ذلك ما كنا نبغي منذ اليوم.


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 14
2016

إرسال تعليق

0 تعليقات