العداء

العداء

عدوّ وعدوّة: خَصم، عكْسه صديق (يُستعمل للمفرد والجمع والمذكَّر والمؤنَّث)، الْخَصْم، مَنْ يُكِنُّ لَكَ الْعَدَاوَةَ. وتقول العرب "عَدُوٌّ عَاقِلٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ جَاهِلٍ"، وتقول: "وَقَعَ فِي قَبْضَةِ أَعْدَائِهِ"، وفي قوله تعالى: (وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة آية 168، والْعَدْوُ‏ هو‏ السُّرْعَةُ وَفَرَسٌ عَدَّاءٌ عَلَى فَعَّالٍ ‏(‏وَبِهِ سُمِّيَ‏‏ الْعَدَّاءُ الَّذِي كَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْكِتَابَ الْمَشْهُورَ وَهُوَ ‏[‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً شَكَّ الرَّاوِي لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ‏]‏، وَعَدَاهُ‏‏ جَاوَزَهُ ‏(‏وَمِنْهُ‏‏ اتَّجِرْ فِي الْبَزِّ وَلَا تَعْدُ إلَى غَيْرِهِ أَيْ لَا تُجَاوِزْ الْبَزَّ ‏(‏وَعَدَا عَلَيْهِ‏‏ جَاوَزَ الْحَدَّ فِي الظُّلْمِ عَدْوًا وَعَدَاءً بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ ‏(‏وَمِنْهُ‏‏ وَصْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبُعَ بِالْعَدَّاءِ فَقَالَ السَّبُعُ الْعَادِيُّ ‏(‏وَفِي حَدِيثِ‏‏ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لَهُ إنَّ بَنِي عَمِّكَ عَدَوْا عَلَى إبِلِي، ‏وَاسْتَعْدَى‏‏ فُلَانٌ الْأَمِيرَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ أَيْ اسْتَعَانَ بِهِ فَأَعْدَاهُ عَلَيْهِ أَيْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ).
أولاً :العداء بين الإنسان والشيطان وأسباب العداء وشدة هذا العداء، فالعداء بين الإنسان والشيطان عداء بعيد الجذور، يعود تاريخه إلى اليوم الذي صور الله فيه آدم، قبل أن ينفخ فيه الروح، فأخذ الشيطان يطيف به، ففي صحيح مسلم عن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ) فلما نفخ الله في آدم الروح، وأمر الملائكة بالسجود لآدم، وكان إبليس يتعبد الله مع ملائكة السماء، فشمله الأمر، ولكنه تعاظم في نفسه واستكبر، وأبى السجود لآدم: (قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نَّارٍ وخلقته من طينٍ) الأعراف 12، فقد فتح أبونا آدم عينيه، فإذا به يجد أعظم تكريم ويجد الملائكة ساجدين له، ولكنّه يجد عدواً رهيباً يتهدده وذريته بالهلاك والإضلال.
وطرد الله الشيطان من جنة الخلد بسبب استكباره، وحصل على وعد من الله بإبقائه حيّاً إلى يوم القيامة (قال أنظرني إلى يوم يبعثون - قال إنَّك من المنظرين) الأعراف: 14-15 ، وقد قطع اللعين على نفسه عهداً بإضلال بني آدم: (قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم - ثُمَّ لآتِيَنَّهُم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شَمَآئِلِهِمْ ولا تجد أكثرهم شاكرين) الأعراف: 16-17، وقوله هذا يصور مدى الجهد الذي يبذله لإضلال بني آدم، فهو يأتيه من كل طريق، عن اليمين وعن الشمال، ومن الأمام ومن الخلف؛ أي من جميع الجهات.
قال الزمخشري في هذه الآية: "ثم لآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي منها العدو في الغالب، وهذا مثل لوسوسته إليهم، وتسويله لهم ما أمكنه وقدر عليه كقوله: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك) الإسراء 64.
وقد أطال القرآن في تحذيرنا من الشيطان لعظم فتنته، ومهارته في الإضلال، ودأبه وحرصه على ذلك: (يا بني آدم لا يفتننَّكم الشَّيطان) الأعراف: 27، وقال: (إنَّ الشَّيطان لكم عدٌّ فاتَّخذوه عدوّاً) [فاطر: 6] ، وقال: (ومن يتَّخذ الشَّيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مُّبيناً) [النساء: 119] . وعداوة الشيطان لا تحول ولا تزول؛ لأنه يرى أن طرده ولعنه وإخراجه من الجنة كان بسبب أبينا آدم، فلا بدّ أن ينتقم من آدم وذريته من بعده: (قال أَرَأَيْتَكَ هذا الَّذي كرَّمت عَلَيَّ لئِن أخَّرتن إلى يوم القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذريَّته إلاَّ قليلاً) [الإسراء: 62].
ثانيا: اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الحياة الدنيا معتركا لصراع بين قوى خاضعة لطاعة الله وسنة رسوله وتسعى للهيمنة على جوانب الحياة لتصبغها بذلك الهدي وتخضعها لذلك المنهج ويمثل ذلك الأنبياء والرسل في هديهم وتصورهم للدين وصبغهم للحياة به، ومن سلك سبيلهم من أتباعهم وبين قوى تعارض منهج الله وتعادي الله ورسله وشرعه وتخضع لمناهج بشرية تعارض هدي الله معارضة كاملة أو جزئية أو تخلط بينهما ليكون في النهاية عبارة عن مجموعة من الهدي المختار الذي كان أساس اختياره هو المزاج والهوى وليس التعبد لله والإيمان بكل ما أنزل والخضوع لكل ما شرع والمعركة قائمة إلى يوم الدين بين هذين الفريقين.
ومن أبرز خصائص هذا الصراع عدم الصلح على أنصاف الحلول وعدم التوافق والتعايش بين المنهجين، ومن أعظم معالمه العداء بين الفريقين وسعي كل فريق للقضاء على الأخر أو الهيمنة عليه وإلزامه بقواعد نظامه وحكمه وعدم الخروج عنها، فأهل الإسلام إذا حكموا أخضعوا الناس لشرع الله وحكمه بحيث لا يعارضها تشريع جاهلي ظاهر في الدولة والمجتمع وإن كانوا لا قدرة لهم على القلوب ويكلون حسابها على الله، وأهل الجاهلية كذلك يخضعون الناس لحكم الجاهلية وشرعها بحيث لا يعارضها تشريع رباني مضاد وإن كانوا لا قدرة لهم على القلوب ولا يستطيعون التحكم فيها.
وهذه الحقيقة والسنة الربانية تكون أجلى وأوضح ما تكون في زمن النبي المرسل كما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتتجدد بحسب وضوح الأمر وصفائه ونقائه عند المجددين الذين تكفل الله بوجودهم في هذه الأمة نظرا لعدم وجود نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لكونه خاتم الأنبياء.
وعندما يدّعي التجديد أدعياء ليسوا في مستوى المسئولية يقع الخلط بين الفريقين ويقع الصلح وتقع أنصاف الحلول ويقع التنازل ويقع الدخن وتختلط القيم الربانية بالقيم الأرضية وتقع القيادة المشتركة بين الجاهلية ممثلة في الجاهليين وبين المدعين للتجديد للدين الرباني الذين هم في الحقيقة دجالون خلطوا الحق بالباطل، وهذا ما نعيشه كنتيجة لجهود تجديدية لم يصْفُ منهجها من الدخن ولم يخل تجديدها من آثار الجاهلية ما بين مستقل ومستكثر، فظهرت الآراء والجماعات التي توفق بين التشريع الجاهلي الغربي والتشريع الرباني الإسلامي، أو تجعل التشريع الجاهلي الغربي أصلا والتشريع الإسلامي تابعا، أو تجعل التشريع الإسلامي أصلا وتأخذ من التشريع الجاهلي الغربي ما تدّعي أنه لا يعارض التشريع الإسلامي، فلم نشعر إلا وقد اتحد الفريقان وأصبحت قيمهما مشتركة في جميع مرافق الحياة، ولم يبق إلا خصوصية التعبد المحض الذي يتعبد به كل فريق لربه على طريقته الموروثة، وقد اتفق الجانبان على أن لكل خصوصيته في هذا المجال وهو ما يعرف في مبدأ الجاهلية بأن الدين علاقة شخصية بين العبد وربه، فعاش الفريقان في سلام ووئام ليس بينهما من الخلاف إلا ما يقع من التنافس على الدنيا، كما هو بين الجاهلي والجاهلي وبين المسلم والمسلم أو بين الجاهلي والمسلم.
وعند وصول اللبس والخلط إلى مراحله الأخيرة في الدجل والكذب والتزوير وعندما أوشك أن تتحد الجاهلية الحاكمة والإسلام المفترى في صورة دين جديد يتكون من خليط من دين المشركين ودين المرسلين اخترعه الدجالون وأتوا به من أجل مبدأ التعايش والتقاسم في الحياة بين تعاليم السماء وتعاليم الأرض.
يقول السيد ممدوح الشيخ: (في خضم حرب الخليج توجه الإعلامي الفرنسي برنار بيفو إلى المستشرق الفرنسي المعروف جاك بيرك قائلا: "أمامك ثلاثون ثانية كي تقول للفرنسيين ما إذا كان القرآن أداة حرب أم لا" (1)، بهذا الابتسار المتعمد بقيت لقرون صورة الإسلام في الوجدان الغربي ترسم. وبشكل عام يعد ملف العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب من أخطر الملفات التي تواجه المثقف المسلم وصانع القرار المسلم على السواء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ» رواه ابن ماجه وأحمد ورواه الحاكم وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ. وهذا الحديث فيه الإخبار عن أنه سيأتي على الناس زمان سنوات تفسد فيها الأخلاق، أخلاق الناس: يكذب الصادق، يخون الأمين، يؤتمن الخائن، يصدق الكاذب، هذا منطق معكوس، يصدق الكاذب ويكذب الصادق: يعني تكون الأحكام تدور مع الأهواء، وهذا كالتفسير والله أعلم لقوله في هذا الزمان: سنين أو سنوات خداعة، وصف الخداع هو وصف لأهل هذه السنين، وصف للناس كما نقول: هذا الزمان كذب، زمان كذب، وخيانة وظلم، فيضاف وصف الناس تارة إلى المكان وتارة إلى الزمان، لأن مَحال الزمان والمكان محال لأفعال الناس، محال للناس وأعمالهم وأقوالهم.
ويقول أيضا في الحديث: «وتنطق الرويبضة»، ورويبضة لفظ مصغر رابضة الرويبض، فهذا تصغير للتحقير، والرويبضة وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، وتاؤه للمبالغة، فالرويبضة هو الرجل الفاسق، وَقَوْله (فِي أَمْر الْعَامَّة) مُتَعَلِّق بِيَنْطِق وَالتَّافِه الْحَقِير الْيَسِير أَيْ قَلِيل الْعِلْم. وتفسير الحديث: أن الرجل التافه الحقير القاصر العاجز الناقص، يتكلم في أمر الأمة في أمر العامة، وهذا من فساد أحوال الزمان أن يصدر ويتدخل في الأمور في قضايا الأمة الناقصون والقاصرون والجهال والتافهون، القضايا العامة هذه من شأن ذوي الحِجَى ذوي العقول، وذوي المدارك والآراء السديدة وأهل البصائر.
(سنوات خداعات) ِتَشْدِيدِ الدَّال لِلْمُبَالَغَةِ الخداع المكر والحيلة. وإضافة الخداعات إلى السنوات مجازية. والمراد أهل السنوات. وقال في النهاية سنون خداعة أي تكثر فيها لأمطار ويقل الريع فذلك خداعها. لأنها تطمعهم في الخصب بالمطر ثم تخلف. وقيل الخداعة القليلة المطر من خدع الريق إذا جف.
فهذه من صور وأحوال فساد الزمان، وهذه الأمور مدركة ومشاهدة وحاصلة فيما مضى وفي الحاضر وفيما يأتي، وهذه الأحاديث تشبه الأحاديث التي جاء فيها ذكر القرون المفضلة وأنه بعد تلك القرون تفسد الأحوال: في التعامل، في الشهادات، في الأيمان، في باب الصدق والكذب، تكثر الخيانات والكذب، ويرتفع الوضيع الحقير، ويهان مثلا أشراف الناس والفضلاء: فضلاء الناس، كل هذه من مظاهر فساد الأحوال، نعم 

حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات