العداء الروسي للإسلام

العداء الروسي للإسلام
التعامل الروسي مع الإسلام: نظرة تاريخية عامة

لقد شكّل غزو قازان، عاصمة ما يعرف اليوم باسم تتاريا، من قبل إيڤان الرهيب في عام 1552، نقطة تحوّل في تاريخ العلاقات الروسية مع الإسلام حين قتل ايفان ذكور المسلمين وأجبر النساء على أن يتزوجن من الروس، (زهاء ثلاثة ارباع مليون مسلمة). ولا تزال ذكرى هذا الحدث حاضرة حتى يومنا هذا وهي تؤثر في العلاقة القائمة بين الروس والتتر: إذ أَنّ الروس يحتفلون في هذه المناسبة بالنصر، وقد وضعت الكنيسة الارثود كسية الهلال بالمقلوب على سارية لوائها رمزا لما سموه انتصارا لهم.
وقد رافق غزو قازان من التخريب والتدمير كل من الطبيعة الثقافية والمادية والحجر والشجر. أَمّا في الفترة ما بين غزو مدينة قازان وتولّي أمبراطورة روسيا كاترينا الكبيرة السلطة في البلاد في عام 1762، فقد كانت السياسة الروسية تجاه المسلمين مطبوعة بأَعمال قمع وتنكيل منظمة وبطمس وإلغاء الثقافة الإسلامية ضمن المناطق الخاضعة للروس. وكانت نتيجة ذلك هجرة واسعة للتتر نحو آسيا الوسطى وإلى الدولة العثمانية.
على الرغم من أن المسلمين في روسيا تجاوز عددهم الثلاثين مليون مسلم، أي حوالي 20 في المائة تقريبا من تعداد سكان روسيا، وهم يشكلون أكبر أقلية دينية في البلاد، إلا إن ممارسات السلطات الروسية تجاه المسلمين هناك تنم عن اضطهاد شديد وتعصب ضد المسلمين، ويتضح ذلك من خلال عدد من الممارسات التي تؤشر إلى حجم هذا الاضطهاد، ويكشف حجم العداء الروسي للإسلام والمسلمين.
فقد رفضت السلطات الروسية تخصيص أرض في العاصمة لإنشاء مقابر منفصلة للمسلمين، حتى يتسنى للمسلمين هناك دفن موتاهم بطريقة شرعية، في حين يسمح لليهود والنصارى باقامة مقابرهم الخاصة.
إن تزايد أعداد المسلمين يأتي فيما تشير الدراسات والإحصاءات إلى تزايد أعداد المسلمين هناك، حيث أكد تقرير أعده مركز "ليفادا" للأبحاث في روسيا أن عدد المسلمين في تزايد مضطرد، وبحسب تقرير المركز فإن نسبة المسلمين ارتفعت من 3% إلى 7% خلال السنوات الماضية.
يأتي ذلك فيما أشارت وسائل إعلام غربية أن روسيا تشهد حالة متزايدة من العنصرية والتطرف ضد المسلمين تتم بتنظيم وتدبير بعيد عن الاعلام وبالطبع فان الاعلام العربي لا يذكر من هذا الامر شيئا (حفاظا على العلاقات المتينة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية).
إن علل العداء للاسلام والمسلمين سهلة وفي متناول المتدربين لالصاق أي فشل أمني بالمسلمين لتحميلهم مسؤولية أي حدث ويدفعون ثمنه من زيادة القهر والظلم، ومظهر آخر من مظاهر العداء الروسي للإسلام، حيث طلب أحد المسئولين الروس، ويدعى ميخائل رميزوف، وهو مدير معهد الاستراتيجيات الوطنية بمواجهة الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي، حيث قال إنها تناقض الأيديولوجية الروسية، حسب تعبيره.
وزعم هذا المسئول الروسي أن المناطق ذات الكثافة الإسلامية تشكل خطرا على البلاد، وخاصة في ظل اندلاع ثورات الربيع العربي في العديد من البلدان العربية.
وقد ورد في تقرير يبين مظهرا آخر من مظاهر الاضطهاد والعنصرية الروسية، حيث ذكرت صحيفة "أزفستيا" الروسية عام 2012، أن إحدى المدارس في منطقة ستافروبول جنوب روسيا والقريبة من منطقة القوقاز ذات الغالبية المسلمة، منعت عدد من الفتيات من حضور حصصهن المدرسية بسبب ارتدائهن الحجاب، كما حصل في فرنسا، ولكن لأن الاعلام المأجور يعتبر روسيا صديقة للعرب تعاملوا مع الخبر كأنه ما كان. وأوضحت الصحيفة أن مديرة المدرسة منعت خمس من الفتيات من حضور الحصص الدراسية بسبب حجابهم بحجة أن قوانين المدرسة تمنع ارتداء ما وصفتها بالرموز الدينية، الأمر الذي دفع أولياء الأمور للتوجه إلى النيابة المحلية للاعتراض على هذه العنصرية وهذا الاضطهاد ضد بناتهن.
هذه فقط لمحة من عمليات الاضطهاد والعنصرية بحق المسلمين في روسيا، ولم نتطرق حتى للمجازر التي ارتكبها الروس في الشيشان، تلك المجازر التي ستظل شاهدة على حجم العداء الروسي للإسلام. والعدوان على الشيشان بين 94-96، ففي أثناء الحرب العالمية الثانية بدأت تتجلى السياسة الروسية تجاه رعاياها من المسلمين، لقد خافت روسيا من تتار القرم، وإمكانية موالاتهم للألمان فحشدت أكثر من نصف مليون تتري في يوم واحد، ورحّلتهم إلى سيبريا وجمهوريات وسط أسيا المسلمة، ولم تسمح بعودتهم إلا منذ ستينيات القرن العشرين ثم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات من نفس القرن.
إن روسيا القيصرية والبلشفية أو حتى ما بعد سقوط الرداء السوفيتي لم تألُ جهدًا في أن تسطر تاريخًا دمويًا مع المسلمين، فكانت طوال تاريخها حائطا صد انتشار المد الإسلامي في بلدان القوقاز والقرم، بل إنها ساهمت في اقتلاع الإسلام من بلدان عديدة من بينها جمهوريات عديدة ضمها الاتحاد الروسي سنوات طويلة، بل إن أرقاما رسمية أكدت أن أكثر من 15 مليون مسلم دفعوا ثمنًا باهظًا لسنوات ستالين الدموية في الحكم بين قتيل ومصاب ومشرد في سيبيريا قبل أن يهلك في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.
وواصلت موسكو تاريخها الدموي مع العالم الإسلامي تارة بالتدخل في أفغانستان في عهد ظاهر شاه ودعم انقلاب شيوعي دعمه محمد داود قبل أن ينقلب عليه كارمل ونجيب الله وتمهيد الأجواء لغزو سوفيتي أحمر لبلاد الأفغان أسهم في مقتل مئات الآلاف منهم وتشرد ملايين الأفغان في بلدان الجوار في مقدمتها باكستان، ناهيك عن ضحايا هذا العدوان الذي استمر عشر سنوات قبل أن تخرج القوات السوفيتية تجر أذيال الخيبة على وقع انتصار المجاهدين الأفغان ودحرهم للدب الروسي قبل أن تدب الخلافات فيما بينهم.
لم تكن محاكم التفتيش الاسبانية بحق أهل الاندلس ثم تهجيرهم، الا صورة من الغرب الكاثوليكي لها مثيلها في الشرق الارثوذكسي تم تطبيقه على المسلمين الشركس، ولا زال قائما الى اليوم، وكل الاقليات الشركسية في المنطقة هي نتاج عمليات التهجير المنظم المترافق مع الابادة لافراغ القوقاز من المسلمين، نفذها القياصرة الارثوذكس ثم تابع بها الشيوعيون خلال العصر السوفياتي، إلا ان التهجير والابادة خلال العصر الشيوعي نفذ بصمت وداخل حدود الاتحاد السوفياتي.

إن الروس محملون بمخزون كبير من العداء للاسلام يمتد لقرون من الزمن، وعقيدتهم الارثوذكسية لم تنس ولن تنس هزائم هرقل وحصار القسطنطينية الاموي ورسائل هارون الرشيد الى كلب الروم وتقبيل امبراطورهم لحذاء ألب ارسلان واهانات محمد الفاتح وخلفائه من السلاطين العثمانيين. إن كل ذلك جزء من الثقافة والمخزون التاريخي للارثوذوكس الذين يشكلون غالب مسيحية روسيا والمشرق العربي، وبعد هذا وذاك كشف الوجه القبيح لهم في سوريا، ومع الأسف والاسف الشديد لا تزال تسمع من متطفل هنا ومتطفل هناك بأن روسيا صديقة؟؟؟. وإنها تساعد وتدعم حركات التحرر للشعوب.

حديث رمضان 15- 2017
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات