الأمة الوسط

الأمة الوسط

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143.
ان الله سيحانه وتعالى قد أكرمنا واصطفانا وهيأنا لحمل رسالته فقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ)، والفرق بين الخلق والجعل ان الخلق هو الايجاد من عدم، وان الجعل هو التصيير وياتي بعد الخلق وهو امر منفصل عنه، فالله عز وجل خلق بني آدم واوجدهم من عدم ثم بعد ذلك صيّر امة محمد لتكون (الامة الوسط)، واوسط الشيء اعلاه واعدله وأكرمه. ونحن الذين اعدو للمهمة وهي (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، وهذه المهمة لا يستطيع يقوم بها أي آدمي الا إذا كان ممن هيأه الله واعده ليحملها، ومن هنا اختلفت الامة الوسط عن غيرها من الامم حتى تتحمل المسؤلية امام الله، فقد روى ابو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ: لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ، فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ، فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا سورة البقرة آية 143 فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا سورة البقرة آية 143) رواه البخاري.
فنحن الامة الوسط الشهداء على الأمم، وليس هذا وحسب بل نحن شهداء الله في الأرض، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ». وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ». قَالَ عُمَرُ فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ».
وفي القضاء فإن مرتبة الشاهد اشرف واسمى من مرتبة المتهم، والشاهد العدل غير مجروح او مطعون في شهادته، وحمل الاسلام مرتبة تعلو بصاحبها ويسمو بها، فاذا تخلى عنها سقط وانزلق في ظلمات الجاهلية، وصدق الله العظيم: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الانعام.
إن تميز الامة الوسط عن غيرها من الامم واضح وجلي، ولسوف اسوق مثالين اثنين حتى تتضح الفكرة التي اودّ ايصالها، وأولهما ان بني اسرائيل حين اتبعهم فرعون بغيا وعدوا قالوا انا لمدركون بعدما رأو الآيات الكثيرة (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) بعكس الأمة التي جعلها الله الامة الوسط قالت في نفس الواقع والظرف: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) الأحزاب، هذا الأول؛ واما الثاني فان الله عز وجل قد وعدهم بالنصر واخبرهم على لسان نبيهم (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) المائدة، فهذا الجواب فيه ما فيه من عدم الطاعة وعدم حسن الظن وحدث ولا حرج، وبالمقابل فإن الامة الوسط في نفس الظرف واشد وفي الحال واشد قالت: (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران.
إن الامة الوسط التي جعلها الله قد خاضت معارك لا يمكن تخيلها حتى ضمن معطيات عصرها ولا يمكن تفسير هذا الا لان الله جعلها امة وسطا مؤيدة منه عز وجل وحبلها موصول بربها، وقد حاولت ان اطرح بين ايديكم بعض هذه المعارك الفاصلة لاقول انها كلها لم تكن متناسبة العدد او مساوية له ومع ذلك انتصرت الانتصار الباهر المتميز فكان فيها الاسود والاحمر والاصفر والعربي والاعجمي.
ان أعظم معجزات التاريخ هي انتصار جيش قليل العدد على جيش أضخم عددا وعدة، ولكن المعجزة هي أن تتكرر هذه الانتصارات بشكل متكرر يلغي وجود المصادفة ويثبت توفر العنصر الأهم للنصر وهو التعلق بالله ومعرفة الجيش أن النصر من عند الله والأخذ بالأسباب المؤدية إلى النصر لهذه الامة الوسط بغض النظر عن جنسها او قوميتها لانها كلها صهرت في بوتقة العقيدة الإسلامية، وقد قال الله تعالى عن انتصار المسلمين برغم قلة عددهم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) سورة الأنفال.
-       معركة بدر التاريخ :17 رمضان سنة 2هـ تعداد الجيش المسلم؛ 314 مقاتل تعداد الجيش الكافر: 1,000 مقاتل منهم 100 فارس.
-       غزوة مؤتة: تعداد الجيش المسلم :3000 مقاتل تعداد الجيش الرومي: 200,000 (100,000 جيش الروم ، 100,000 العرب أنصار الروم).
-       معركة اليرموك: التاريخ: 13 هـ – 636 م تعداد الجيش المسلم :40,000 وتعداد الجيش البيزنطي 240,000.
-       معركة نهاوند او فتح الفتوح: التاريخ: سنة 21 هـ (642 م): تعداد الجيش المسلم 30,000، وتعداد الجيش الفارسي 150,000.
-       معركة القادسية :التاريخ : شعبان 15 هـ / 16-19 نوفمبر 636م تعداد الجيش المسلم :30,000، وتعداد الجيش الفارسي  :200,000.
-       معركة وادي لكة او سهل البرباط ، وقعت في 19 يوليو 711 م بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد وجيش الملك القوطي الغربي رودريغو الذي يعرف في التاريخ الإسلامي باسم لذريق. التاريخ : 92 هـ – 19 يوليو 711 تعداد الجيش المسلم : 12 ألف جُلُّهم من الرَّجَّآلة تعداد الجيش الكافر :100 ألف من الفرسان.
-       معركة ملاذ كرد: التاريخ :1071 م – 463 هـ تعداد الجيش المسلم: أربعين ألف وتعداد الجيش الكافر : مائتي ألف مقاتل، وقعت بين المسلمين السلاجقة بقيادة ألب أرسلان و الجيش البيزنطي.
-       معركة حطين: التاريخ : يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 م تعداد الجيش المسلم :25.000، وتعداد الجيش الصليبي :63.000.
-       معركة الدونونية: التاريخ: م1276، تعداد الجيش المسلم : المرينيين 5 آلاف والغرناطيين 5 آلاف وتعداد الجيش الكافر :90 ألف، وقعت بين جيوش دولة المرينيون متحدة مع جيش محمد الفقيه ابن الأحمر والتي انتصرت على قوات الملك القشتالي ألفونسو العاشر. كان للمعركة تأثير كبير في تاريخ الأندلس الإسلامي، إذ أنها أوقفت زحف النصارى في الأراضي الإسلامية وقد أخرت سقوط مملكة غرناطة لمدة تزيد عن قرنين.
إن فساد الذوق العام وطغيان المادية والمصلحة في العلاقات والتعاملات واخضاع كل الامور لمنطق الثمن يجب ان لا يؤثر على الامة الوسط، فهناك امور لا يمكن وضعها في خانة الثمن لانها ليست سلعة تعرض، فعقيدتنا لا يمكن ان تنفصل عنا او ان ننفصل عنها سواء كنا في سوق او كنا في مسجد، لاننا بكل بساطة ندرك ادراكا فكريا منبثفا عن عقيدتنا باننا في معية الله عز وجل اينما كنا، واننا شهداء الله ومعاذ لله ان يخذل شهداءه، فحسن ظننا يرافقنا في كل حركة وسكنة وانه جل وعلا معنا فقضية (المعية) لا تغيب عنا لحظة واحدة، ونستشعر قول الحق: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)الحج، وندرك انه عز وجل قد فصل بين المؤمنين من الامة الوسط التي جعلها وبين غيرهم في فهمنا ل(عن) فندرك قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)النحل ، وقوله (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)البقرة، وقوله تعالى (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة، فكان الاعنقاد الجازم عندنا اننا في معية الله هو الزاد الكافي لنا في الحياة الدنيا يعيننا على هذه السنين العجاف، لان الله اخبرنا وبشرنا ان بعد العسر يسرا، وان من كان في معية الله فهو في حفظه وفي كنفه ومن كان هذا حاله لا ينهزم وصدق الله العظيم (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة.
إننا في مشكلة وتحتاج الى حل، وهي مشكلتنا نحن، ونحن اقدر الناس على حلها لانها مشكلتنا نحن، ونحن مسلمون فيجب ان يكون الحل لهذه المشكلة على اساس الاسلام واحكامه الشرعية هذا اولا. وثانيا ان من يريد ان يصنع طعاما لضيوفه وليس عنده ماعون كبير يتسع لاطعامهم فهو في مشكلة، ويحل مشكلته باستعارة ماعون كبير من جاره او من اي أحد سواء اكان مسلما ام غير مسلم، فهو في مشكلة وتحل هذه المشكلة بالاستعارة. وثالثا ان المفاهيم والمقاييس والقناعات ووجهة النظر لا تستعار حتى تحل لنا مشكلة فهي ليست كالمواعين وفي هذه الاوقات نرى كثير من المسلمين يستعيرون من الكفار افكارهم وينزلونها على واقع الامة الاسلامية ليحلوا بها مشكلة ولا يفكرون لحظة بانهم قد اضافوا للمشكلة الاولى مشكلة جديدة وحلها اصعب من حل المشكلة الاولى لانهم بكل بساطة ومع الاسف الشديد لم يفرقوا بين الماعون والمفهوم. وارجو المعذرة، وبالقطع هم لم يعقلوا الموقع الذي وضعهم به ربهم، فالله عز وجل وضعهم في الصدارة وهم نقلوا انفسهم الى عتبات الكفار يستجدونهم.
واخيرا فان ميزة الامة الوسط التي جعلها الله خير امة اخرجت للناس كونها تتميز عن غيرها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فالخطاب في هذه الآية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)110 آل عمران، هو للامة الوسط ليكونوا معتزين بدينهم قائمين به آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر وهو من خصوصياتها والذي يميزها فليس هناك غيرها من الامم مأمور بهذا الامر.
إن الخطايا أذا عملت في أي مكان من العالم فإننا نكره ذلك ولا نرضى به وقد قال صلى الله عليه وسلم ( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) رواه ابو داود وهو حديث حسن، فغائبٌ عن ساحة الجريمة لكنه أول المتهمين واسمه في سجل المذنبين، وآخر حضر الجريمة بنفسه ورآها بعينه ومع ذلك يأتي الحكم له بالبراءة والسبب في ذلك كله القلب الذي أنكر فسلِم أو رضي فأثم. فالرضى بالمعصية معصية، فواجب تغيير المنكر حسب الاستطاعة وقد قال صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
اننا نستطيع ان نغير المنكر بأيدينا في بيوتنا وفي متاجرنا وفي أسرنا ونقدر، فأن من ولاية المؤمنين بعضهم ببعض أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بخلاف المنافقين والمنافقات فقد قال تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)التوبة، وقد قال تعالى عن المنافقين (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة، فالتآمر بالمعروف بين المؤمنين فرض فرضه الله وميزة يتميز بها المجتمع الاسلامي في قوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الانفال، وقد قال صلى الله عليه وسلم (أن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) رواه أحمد وصححه، وفي حديث عائشة رضي الله عنها فقد قال" مرو بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم"  فالتهيب من الناس لا يجوز ان يكون مانعا من اداء فرض، فالصدع بالحق واجب وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق اذا علمه" صحيح. فالله احق ان نخشاه ونخافه.
ان ارض فلسطين ارض اسلامية ولن يغير اسلاميتها واقع احتلالها او واقع المفاوضات عليها وهي كالاندلس وبلغاريا ورومانيا، واي تفويض لاي كان للاعتراف غير ملزم وحرام. فالباطل يطلب الحق ليس للالتزام به بل لاستعماله، فيأخذ الباطل مشروعيته من الحق ليصير وجود الباطل شرعيا، ولا يقدر احد ان يضفي على الباطل هذه الصفة لانه سيسقط معه بل ويصبح جزءا منه كالعلماء الذين آثروا فسطاط الغاشم وتركوا فسطاط الحق بل ولبسوا على الناس دينهم.
ان حامل الحق لا يعطيه حمله لهذا الحق ان يتنازل عنه او عن جزء منه لذريعة يتذرعها او حجة عقلية يحتج بها للحفاظ على الاكثر نتنازل عن الاقل فلا تقوم لهذه الواهية قائمة. فلا تطلب مرضاة الله بمعصيته.
ان الحق لا يخضع للتجزءة وكذلك الباطل، كالايمان والكفر فلا يتجزآن ولا يوجد نصف مؤمن او نصف كافر. فلا يحل الرضا بالمنكر أو متابعة أهله عليه.

واخيرا في قوله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) المائدة، جاء في تفسير ابن كثير: «يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل ، من دهر طويل، فيما أنزله على داود نبيه، عليه السلام، وعلى لسان عيسى بن مريم، بسبب عصيانهم لله، واعتدائهم على خلقه. قال العوفي عن ابن عباس: لعنوا في التوراة والإنجيل، وفي الزبور، وفي الفرقان، ثم بيّن حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم، فقال تعالى: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ قال أبو داود، قال رسول الله : «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا، اتقِ الله، ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله، وشريبه، وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ]لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ إلى قوله ]فاسقون[، ثم قال: «كلا والله، لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، ولتأخذُنَّ على يد الظالم، ولتأطرنَّهُ على الحق أطراً، أو تقصرُنَّه على الحق قصراً» كذا رواه الترمذي وابن ماجه.

 حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات