نظرة الاسلام للرياضة


نظرة الاسلام للرياضة

اولا_إنَّ الرياضة بمعناها الشامل نشاط إنساني لا ينفكُّ عن طبيعة الإنسان، فالأجسامُ والعقولُ تحتاج إليها في كل حين، فالرياضة المعنوية والمادية مثلاً تشملُ أمُوراً كثيرةً، يجمعُها الأدبُ مع الله والأدب مع الناس، ويتفرع عنها كل خلق حسن، ومعنى ذلك أن يروض العبد نفسه على حسن التعامل مع الله حتى يصبح ذلك جبلّة وسجية له إلى أن يلقى الله، فالحلم بالتحلم، والصبر بالتصبر، ولا يتم ذلك إلا بترويض النفس. قال المناوي: (الأدب رياضة النفوس، ومحاسن الأخلاق)، ومن أنواع الرياضة المادية إتقان بعض فنون العلم التي عمادها أداء الحركة، سواء كانت حركة الفكر كما في المسائل الحسابية في علم الرياضيات وما سميت بهذا الاسم إلا لأن فيها ترويضاً للذهن على التفكير الدقيق والاستنتاج، أو حركة اللسان كإتقان فن التجويد وتلاوة القرآن، ولذلك قال في الجزرية:
وليس بينه وبين تركه         إلا رياضة امرئ بفكه
روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ ، رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ)  رواه مسلم، والهيعة : الصيحة يفزع منها وهي نداء المستغيث، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  (إن الله يحب معالي الأمور و يبغض سفاسفها)، شعب الايمان للبيهقي وفي حديث آخر: (إنّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَادٌ يحِبُّ الجُودَ ويحِبُّ معَالِيَ الأَخْلاقِ ويَكْرَهُ سَفْسافَها) رواه ابن عساكر وصححه الألباني.
وفي شرح سنن ابن ماجه في قوله صلى الله عليه واله وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات) أي يكثر فيها الأمطار ويقل الريع فذلك خداعها، لأنها تطمعهم في الخصب بالمطر ثم تخلف، وقيل الخداعه قليلة المطر من خدع الريق إذا جف، وقوله وينطق فيها الرويبضة وتفسيره ما مَرّ من حديث انس قلنا يا رسول الله ما يظهر في الأمم قبلنا قال: الملك في صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالتكم، والرويبضةُ تصغير رابضة وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها والتاء للمبالغة، والسفساف هو الأمر الحقير والرديئ من كل شيء وهو ضد المعالي والمكارم ، وأصل السفساف ما يطير من غبار الدقيق حين نخله، وقد هجا الحطيئة رجلا فوصفه بانه لا يطلب المكارم فقال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ..... واقعد فانك انت الطاعم الكاسي
ثانيا_ صرّح وئام وهاب بخصوص زيارة سمير جعجع - والمتهم بقتل رشيد كرامي رئيس وزراء لبنان- لدار الافتاء اللبنانية فقال مخاطبا مفتي لبنان: (يا بتلبس زي ما بتحكي يا بتحكي زي ما بتلبس)، وهذا تصريح سياسي بامتياز تتضح منه الفكرة التي نحاول طرحها. فلا بد لأي انسان ان يكون له موقف في الحياة تجاه الاحداث الجارية، فإن يهوديا او نصرانيا او لا دينيا، ينبع موقفه مما يعتقده او يؤمن به، وان كان مسلما فموقفه لا يحدده عقله بل مبداه، فالموالاة والمعاداه والمفاصلة والمماثلة والحب والبغض وكل ما يدور في دائرة العلاقات محدد من الله عز وجل، فكل من تزياّ بزي الاسلام لا يقبل منه التناقض بين ما تلبّس به وبين قوله وفعله.
إن الرياضة واللياقة البدنية بحد ذاتها بطلبها المؤمن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ كَمَثَلِ النَّخْلَةِ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ) القضاعي في مسند الشهاب. وقصة النبي مع ركانة معروفة. فاللياقة البدنية والرياضة يحملها المسلم كأداة يستعين بها ضمن دائرة حمله للاسلام، وليس فكرة لتعزيز وجود الاسفاف الفكري في مجتمع المسلمين لتعميق انحطاطهم وترسيخ فكرة تبعيتهم للغرب او تذويب الصلة بينهم وبين عقيدتهم.
من يعش رجبا يرى عجبا، ومن هذا العجب ما كتبه قاضي القدس الشرعي د. إياد محمد العباسي عن متعة الكلاسيكو فيقول (استمتعت قبل يومين كما استمتع معي مئات الملايين من البشر)، فهل نسي ان اسبانيا هي الاندلس وانها ارض اسلامية مغتصبة لا فرق بينها وبين فلسطين وان لا فرق بين رويال مدريد وبرشلونة وبين مكابي تل ابيب، فمتعته بالكلاسيكو انسته واقع القدس وانه قاضيها الشرعي وان واقع القهر الذي نعيشه يجعل متعة الكلاسيكو ليس أولوية، وكيف سيفهم المسلمون واقع الاقصى ومعاناة اهله حين قراءة هذا المقال. فلو تغنى بالنوادي الاسرائيلية كما تغنى بالنوادي الاسبانية هل يختلف الوضع؟؟ وهل ادرك هذا الامر وهو من صلب اختصاصه ام انه لم يسمع ما روى أبو داود والترميذي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وملاعبته أهله فإنه من الحق ) ام ان هذا المقال يعد نصرا لمن يريد ان يفتّ في عضد المسلمين؟؟ ام انه تناسى ان كلا من الارضين خراجية ولا يغير الواقع من حكم الله فيها، وقلت ربما حصل على تخصصه بالرياضة فكانت رسالته "دور المرأة في عصر النبوة والصحابة الكرام وفي المجتمع الفلسطيني في ضوء الحديث الشريف".
إن استهداف الشباب لكونهم الطاقة الحيوية في الامة وحرفهم عن طلب المعالي لسفاسف الامور بل وتصويرها لهم انها القضايا المصيرية وحقنهم باوهام تدفع المسلم لقتل المسلم في الملعب تعصبا لناديه هو امر خطير لا يقوم به الا من يعتبرون من قواعد انظمة الحكم الداعمة للغاشم حيث شغل في مصر عقب هزيمتهم سنة 1967 محمد حسنين هيكل وزارة الارشاد القومي وفي السعودية ومصر والأردن، وعندنا مثله او اخطر منه واعانهم تلامذتهم من المضبوعين لحرف الشباب عن وجهتهم الأساسية، ونسال الله ان لا يكون كاتب هذا المقال منهم، فكل من يساعدهم علم ام لم يعلم يعينهم ولا نقول ببراءته ولو ادّعى حسن ظنه.

ثالثا_  ان عمل الدولة هو الرعاية وضمن هذا الفهم فانها تستنهض طاقات الشباب وتوجهها الوجهة التي ترضي الله ورسوله، فترعاهم في الدنيا ليفوزوا في الآخرة، فتعدهم الاعداد اللازم ليكونوا السادة لهذه الدنيا ومنه قول عمر "تَفَقَّهوا قبل أن تُسَوَّدوا". واحببت ان اقدم بين ايديكم فكرة صغيرة عن عمل الدولة، فقد ذكر محمد بن سعد في طبقاته: إن غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع وعشرون غزوة، وسراياه ست وخمسون وفي رواية سبع وأربعون، والتي قاتل فيها الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدر وأحد والمريسع والخندق وخيبر وقريظة والفتح ( مكة ) وحنين والطائف، (والشباب هم جنده ). وفي المغني عن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان (أَمَّا بَعْد فَاتَّزِرُوا وَارْتَدُّوا وَانْتَعِلُوا وَأَلْقُوا الْخِفَاف وَالسَّرَاوِيلَات، وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيل ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّم وَزِيّ الْعَجَم ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّام الْعَرَب ، وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشَنُوا وَاخْلَوْلَقُوا وَاقْطَعُوا الرَّكْب وَانْزُوا نَزْوًا وَارْمُوا الْأَغْرَاض) ومما قاله أيضاً : ( وفرِّوا الأظافر في ارض العدو فإنه سلاح ) وكتب إلى أبي عبيدة ( علموا مقاتلتكم الرمي ، وعلموا صبيانكم العوم )، وها هو عمر بن الخطاب يقول عن البراء بن مالك (لا تولوّ البراء جيشاً من جيوش المسلمين مخافة أن يُهلِكَ جنده بإقدامه) فانه رضي الله عنه قد قتل مئة من المشركين مبارزةً وهو بطل من أبطال المسلمين في معركة الحديقة، وها هو عبد الله بن مسعود يقول: (أن للإيمان بيوتاً وللنفاق بيوتاً وان بيت بني مقرن من بيوت الإيمان)، فقد اهتزت يثرب من أقصاها إلى أقصاها فرحاً بالنعمان بن مقرن، إذ لم يسبق لبيت من بيوت العرب ان اسلم منه أحد عشر أخاً من أبٍ واحد وجلّهم قادة ومعهم اربعماية فارس، واخرج ابن أبي شيبه عن الشعبيّ أن امرأةً دفعت إلى ابنها يوم أحد السيف فلم يطق حمله فشدّته على ساعده بنسعة ، ثم أتت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله  هذا ابني يقاتل عنك. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أي بني ها هنا أي بني احمل ها هنا، فأصابته جراحة، فصرع فأتيَ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أي بنيَّ لعلك جزعت ...؟؟ قال لا يا رسول الله) حياة الصحابة ج1 ص583.

 حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات