التألي على الله

التألي على الله

ينبغي لكل مسلم أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة يقول الأستاذ الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-: إن من أعظم الآفات التي يقع فيها الإنسان آفة انفلات اللسان فيتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً فتهوي به في النار كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب). وعن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. فيجب على الإنسان أن يدرك أن كل كلمة تخرج من فمه فإنه محاسب عليها، فهي إما له وإما عليه يقول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق الآية 18.
وجاء في الحديث عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حزينة كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ومن فلتات اللسان الخطيرة على المسلم (التألي على الله عز وجل)، فقد روى مسلم في صحيحه: عن جندب أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" أَوْ كَمَا قَالَ. قال النووي -رحمه الله - : معنى يتألى : يحلف، والألية: اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها) [شرح مسلم (16/174)].
ومعنى التألي على الله عز وجل: يعني مثلاً إنسان يجلس هكذا واضعاً قدماً على قدم، ويقول: والله لا يغفر الله لفلان، والله لا يرحم الله فلاناً، يتألى على الله: يعني يخرج من حدود البشرية ليؤله نفسه فيتألى على الله عز وجل، والعياذ بالله رب العالمين. أما سمع هذا قول الله سبحانه وتعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36).
ومعنى آخر للتألى على الله، يقول كأن يقول: والله، فلان هذا لا يغفر له. وبالذات إذا كان بينه وبينهم ضغائن أو مكائد أو من هذا القبيل؛ أخٌ مثلاً استولى على الشركة التي تركها له أبوه مع أخوته، فاستولى عليها أحدهم، نعم هو ظالم لكن لا تقل أنت هذا من أهل النار، أنتَ لست ممن أعطوا مفاتيح الجنة والنار حتى تعلم، ولست من الذين أعطوا علم الغيب، فالغيب لا يعلمه إلا الله ربُ العالمين. لماذا أنتَ تُدخل هذا الجنة وتُدخل هذا النار؟! كيف يعني؟! سبحان الله! كيف تزكي أنتَ نفسك وتتهم الآخرين. عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ " قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]. رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « كانَ رجُلانِ في بَني إسرائيلَ مُتواخِيينِ ، فَكانَ أحدُهُا يذنِبُ والآخرُ مجتَهِدٌ في العبادةِ فَكانَ لا يزالُ المجتَهِدُ يرى الآخرَ علَى الذَّنبِ فيقولُ أقصِرْ فوجدَهُ يومًا علَى ذنبٍ ، فقالَ لهُ : أقصِر فقالَ خلِّني وربِّي أبُعِثتَ عليَّ رقيبًا فقالَ واللَّهِ لا يَغفرُ اللَّهُ لَكَ أو لا يدخلُكَ اللَّهُ الجنَّةَ فقبضَ أرواحَهُما فاجتَمعا عندَ ربِّ العالمينَ فقالَ لِهَذا المجتَهِدِ أَكُنتَ بي عالمًا أو كنتَ علَى ما في يَدي قادرًا وقالَ للمُذنِبِ اذهَب فادخُلِ الجنَّةَ برَحمتي وقالَ للآخرِ اذهَب إلى النَّارِ قالَ أبو هُرَيْرةَ والَّذي نفسي بيدِهِ لتَكَلَّمَ بِكَلمةٍ أوبَقَت دُنْياهُ وآخرتَهُ [صحيح الجامع (4455)]. ومنه ايضا قال حدثنا ضمضم بن جوس قال دخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بشيخ مصفر رأسه، براق الثنايا معه رجل أدعج جميل الوجه شاب فقال الشيخ: يا يمامي تعال لا تقولن لرجل أبدا لا يغفر الله لك، والله لا يدخلك الجنة أبدا، قلت: ومن أنت يرحمك الله؟ قال أنا أبو هريرة قلت: إن هذه لكلمة يقولها أحدنا لبعض أهله أو لخادمه إذا غضب عليها قال: فلا تقلها إني سمعت رسول الله صلة الله عليه وسلم يقول: « كان رجلان من بني إسرائيل متواخيين أحدهما مجتهد في العبادة والآخر مذنب فأبصر المجتهد المذنب على ذنب فقال له: أقصر فقال له: خلني وربي قال: وكان يعيد ذلك ويقول: خلني وربي، حتى وجده يوما على ذنب فاستعظمه فقال: ويحك اقصر! قال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك أو قال لا يدخلك الله الجنة أبدا. فبعث إليهما ملك فقبض أرواحهما فاجتمعا عند الله - جل وعلا - فقال ربنا للمجتهد: أكنت عالما أم كنت قادرا على ما في يدي، أم تحظر رحمتي على عبدي، اذهب إلى الجنة يريد المذنب، قال للآخر اذهبوا به إلى النار، فوالذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته » [رواه ابن حبان في صحيحه].
فعلى المسلم أن يحفظ لسانه ويتورع عن إطلاقه فيما لا يعنيه فقد قال صلى الله عليه وسلم: «... وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» [رواه الترمذي]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم" الجامع بين الصحيحين، لأنه لا يعلم من منا من أهل البرّ، ومن منا من أهل الشّر، ومن منا من أهل الاستقامة. لأن النهايات لا يعلمها إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَايَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا " (رواه البخاري ومسلم). يعني أنا إذا صليت وجلست في آخر ركعة لأقرأ التشهد، وقبل أن أسّلم بلحظات نقض وضوئي، ما الذي حدث في الصلاة ؟ فسدت كلها، الأعمال بخواتيمها يجب أن تعاد مرة أخرى. إذاً الأعمار أيضاً بخواتيمها، فاللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك.
فلا يقولن احد في حق الميت [إلى جهنم وبئس المصير] لانها من التألي على الله عز وجل، وهو من سوء الأدب مع الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) سورة النساء الآية 48. ففي هذه الآية الكريمة يبين الله أنه يغفر ما دون الشرك بمشيئته وإرادته، وقد ذكر الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية طائفة من الأحاديث التي توضح أن من مات لا يشرك بالله شيئاً فإنه داخل تحت المشيئة منها:
عن أبي الأسود الديلي أن أبا ذر حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما مِن عبدٍ قال: لا إلهَ إلا اللهُ، ثم ماتَ على ذلك إلا دخَلَ الجنةَ. قلتُ : وإن زنى وإن سَرَقَ ؟ قال : وإن زنى وإن سَرَقَ . قلتُ: وإن زنى وإن سَرَقَ ؟ قال: وإن زنى وإن سَرَقَ . قلتُ : وإن زنى وإن سَرَقَ ؟ قال : وإن زنى وإن سَرَقَ على رَغْمِ أنفِ أبي ذرٍّ . وكان أبو ذرٍّ إذا حدَّثَ بهذا قال: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذرٍّ) في الصحيحين.

ومنها عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب» قيل: يا نبي الله وما الحجاب ؟ قال «الإشراك بالله ـ قال: ما من نفس تلقى الله لا تشرك به شيئاً إلا حلت لها المغفرة من الله تعالى، إن يشاء أن يعذبها وإن يشاء أن يغفر لها» ثم قرأ نبي الله {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده. تفسير ابن كثير 2/295-297. وقال الله تعالى { يُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } سورة العنكبوت الآية 21، قال الحافظ ابن كثير:[ وقوله تعالى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة، كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن «إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم» ولهذا قال تعالى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون} أي ترجعون يوم القيامة ] تفسير ابن كثير 5/49. وقال الله تعالى: ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة الآية40. وقال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمرانالآية 129. وقال تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفتح الآية 14.

 حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات