لا يُلدغ من جحر لُدغ منه قاضي دمشق ابن مفلح

حديث رمضان


لا يُلدغ من جحر لُدغ منه قاضي دمشق ابن مفلح

خاف قاضي قضاة دمشق " إبراهيم بن مفلح الحنبلي على مدينة دمشق من الدمار والقتل والويلات بعد محاصرتها من قِبل جيوش "تيمورلنك " ..فتوجّه إلى تيمورلنك لعقد مفاوضات معه .. فخدعه تيمورلنك بتنميق كلامه .. وتلطّفه معه في القول ، وترفّقه له في الكلام ..فعاد ابن مفلح ومعه " فرمان " من تيمور لأهل دمشق ، وهو ورقة فيها تسعة أسطر يتضمّن أمان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خاصّة ؛ فقُريء " الفرمان " المذكور على منبر جامع بني أمية بدمشق .و شرع ابن مفلح الحنبلي يخذّل الناس عن القتال ، ويثني على تيمور ودينه وحسن اعتقاده ثناء عظيماً ، ويكفّ أهل دمشق عن قتاله ، فمال معه طائفة من الناس ، وخالفه طائفة أخرى ، وأبوا إلّا قتاله ..فغلب رأى ابن مفلح على من خالفه ، وعزم على إتمام " الصلح " ، ونادى في الناس : إنه من خالف ذلك قُتل ، وهُدر دمه ، فكفّ الناس عن القتال ثم قدِم " شاه ملك " أحد أمراء تيمور إلى مدينة دمشق على أنه نائبها من قبل تيمور ..وبعد جمعتين منع أهلَ دمشق من إقامة الجمعة بدمشق .. !وألزمهم أن يُخرجوا إليه جميع ما في البلد من السلاح جليلها وحقيرها .. فتتبّعوا ذلك ، وأخرجوه له حتى لم يبق بها من السلاح شيء .. !فلمّا فرغ ذلك كلّه قبض على ابن مفلح الحنبلي ورفقته ..فحينئذ حلّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف من قتل واغتصاب وحرق وتنكيل .. وقُتل من أهل دمشق ما لا يعلم عدده إلا الله .
وكان الدافع الأول لإبراهيم بن مفلح للقبول بــ " الصلح والعهد " هو حقن الدماء ، والحفاظ على الأموال والمتاع والبلاد .. ومنع الدمار والويلات عن دمشق وأهلها .. وليس التواطؤ مع تيمورلنك ، ولا الخيانة لأمته ودينه ، فرجا أن يكف الله بأس الطاغية بــ " الصلح والسلم " ولو على مال ، كما صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش في الحديبية .. ولكن لم يكن اجتهاده صواباً .
وقد كان الأَوْلى بابن مفلح الحنبلي قاضي قضاة دمشق رحمه الله أن يحذَر من سيرة " تيمورلنك " الذي ما زالت آثار كارثته في مدينة " حلب " لم تجف بعد ، فلم يكن من المعقول أن يُطمئن أهلَ دمشق إلى وعده وعهده .
 في عام 1922م وجه مصطفى كمال أتاتورك بطاقة دعوة للداعية الإسلامي الشيخ "بديع الزمان النورسي" من اسطنبول إلى أنقرة لحضور ومشاهدة الاحتفال بيوم الاستقلال، وبعد استدعاءات كثيرة لبى النورسي الدعوة، لكن سرعان ما فوجئ أتاتورك بمغادرة الشيخ لأنقرة دون أن يشاهد الاحتفال لأنه لم يجد التدين في رجال الحكومة، وفوجئ أكثر عندما علم أن الشيخ أرسل بياناً لمجلس الأمة الذي شكله أتاتورك ضمّنه نصائح لهم بسبب بعدهم عن الإسلام مما أثار حفيظة أتاتورك فاستدعاه من جديد وقال له: لقد أوجدت الفرقة بتركيزك على أهمية الصلاة بين رجالات الدولة!.
فرد النورسي ملوحاً بسبابته مهدداً وهو يشير بها إلى عين رئيس الدولة صارخاً في وجهه أمام مجموعة من النواب والشخصيات: "يا أتاتورك إن الصلوات اليومية هي أول علامات يعرف بها المسلم، ولذلك ترفضه أنت، اعلم أن تارك الصلاة خائن، وحكم الخائن مردود، ومن هنا فلا يمكن الرضا بحكمك!". احتار أتاتورك ماذا يصنع مع النورسي، ففكر في طريقة لشراء ذمة الشيخ وهي أن يعينه رئيساً للوعّاظ في أناضوليا وعضواً تنفيذياً في جامعة دار الحكمة مع إعطائه قصراً فخماً لإقامته.
لكن الشيخ عرف مقصد أتاتورك ورفض كل شيء وهاجر من أنقرة ضارباً عرض الحائط بكل مغريات أتاتورك الخبيثة.
إن شراء الذمم وسيلة لم تنقطع على مدى التاريخ، وقد وقع في هذا الفخ بعض العلماء في حين وقف البعض الآخر بكل جرأة في وجه هذه المحاولات.
وإن من أسباب ضعف العالم الإسلامي اليوم هو فقدان هذه النوعية من العلماء الذين يعرفون جيداً هذه الوسيلة، ولا تأخذهم في الحق لومة لائم ليقاوموا المفاسد التي فشت في أمة الإسلام وليواجهوا مخططات الأعداء التي وضعوها لضرب الدين .
فأي ممن ترونهم اليوم يستطيع أن يوجه كلمة مثل هذه إلى حاكمه ؟برغم أن أتاتورك كان أكثر من هؤلاء الحكام قوة وجبروت ؟
العالم الحقيقي من يكون له موقف مؤثر ...وليس مجرد كراسة ينسخ فيها العلم ثم تلقى على الرفوف ......
صفحات مشرقة من تاريخ الأمة - الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد


جواد عبد المحسن
حديث رمضان 17

إرسال تعليق

0 تعليقات