النِعمة والنَعمة



النِعمة والنَعمة

آيتان فقط ذكرتا كلمة (النَّعمة) بفتح النون، ولكن جميع الآيات الاخرى في كتاب الله ذكرتْ (النِّعمة) بكسر النون، فالآيتان هما قوله تعالى في سورة الدخان «كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين»  الآية السابعة والعشرون، وقوله تعالى في سورة المزمل «ذرني والمكذبين اولى النَّعمة ومهلهم قليلاً» أي الآية الحادية عشرة، ولكن الآيات التي ذكرت كلمة النعمِة بكسر الميم بلغت اربعاً وثلاثين آية، ونذكر هاتين الآيتين منها، كما نذكر آيتين أخريين من الآيات التي ضمت كلمة نِعمة، مضافة الى غيرها.
قال سبحانه في سورة آل عمران «واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها» آية 103، وقال عز وجل في سورة المائدة «اذكروا نعمة الله عليكم اذ همّ قوم ان يبسطوا ايديهم فكفّ ايديهم عنكم» آية 11، وقبل ان اذكر ما بقي فيطول علينا جمع الافكار بعضها الى بعض، فانا نتساءل ما القصد من النَعمة بالفتح والنِعمة بالكسر، ولا بد ان يكون هناك فرق في المعنى او فرق في انتساب الكلمة الى القبائل العربية السبع التي اعتمدت في الأخذ بكلمها لأنها عربية صرفة ولم تختلط بالعجمة.
النَعمة لها معنى مغاير ومخالف لكلمة النِعمة، فالحركات ليس عبثية في اللغة العربية، فالنَعمة الواردة في سورة الدخان ارتبطت بالجنات والعيون والزروع، ولذلك يتجه الذهن حالاً الى انها في هذه الآية اشياء مادية تضفي على الانسان الراحة والمتاع، وليست الحادية عشرة من المزمل بعيدة عن هذا المعنى، ولو نظرت الى عالم القواميس او عالم التفاسير لوجدتها جميعها تدور حول هذا المعنى أي (تهديد ووعيد للكافرين الاغنياء الذين اصابهم البطر والاختيال بسبب اتساع اموالهم وكثرة ابنائهم)فكبرهم  لا يسمح لهم الا بالنظر لادوات القوة التي يلمسونها ويحسون بها، فالنَعمة بفتح النون اشياء وفيرة من الشجر والزروع والحدائق والبساتين واموال التجارة والنسل والذرية.
واما النِعمة بكسر النون الواردة في سورة آل عمران او المائدة فليست كالنَعمة التي تحدثنا عنها، فقوله تعالى «»واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها» فهذه لا تتحدث عن بساتين وحدائق وزروع والبسة، وانما تتحدث عن العداوة والبغضاء، ولما جاءت رحمة الله تحولوا الى اخوة، وتحولوا الى مؤمنين فائزين، وآية المائدة 11 تتحدث عن مجابهات ومعارك وعن مكر ضد المسلمين ثم يأتي عون الله أي تأتي نعمته فيؤمّنكم من كيد العدو، ويجعل مكر المشركين ينقلب عليهم، ليس هنا معنى للبستان والزرع والفاكهة، فكلمة النِعمة تحمل شيئاً معنوياً، وما اكثر الاشياء المعنوية في حياة المسلمين، فالثقة والطاعة والتعبد، ومحبة الرسول، وتواد المؤمنين كلها تتبع النِعمة واما الزرع والبستان والثمر والالبسة فهي النَعمة، وقال بعض اللغويين ان كلمة النَعمة خاصة وكلمة النِعمة عامة، وقالوا ان هذه الآية فيها شمول في قوله تعالى (رب اوزعني ان اشكر نِعمتك التي انعمت عليّ وعلى والديّ» النمل 19، انه يشكر الله تعالى على نعمه الدينية والدنيوية..
يقول العلامة محمود مشّوح : إن من أسوء الأشياء أن يكفر الإنسان نعمة ربه ، وأسوء من ذلك أن يتخذ نعمة ربه وسيلة للصد عن سبيله ، وإن هذه النماذج التي تسخّر نعم الله عليها لتصد بذلك عن سبيل الله لهي مظهر من مظاهر المرض الذي تعاني منه الإنسانية منذ كانت وإلى اليوم ، وستظل تعاني من هذا المرض إلى ما شاء الله .
إن الأمر المفترض عند ذوي العقول والألباب أن العبد عليه أن يعرف قدر النعمة ، كما عليه أن يعرف قدر المنعم ، كما عليه بعد ذلك أن يجعل نعمة المنعم تقربا وعبادة للمنعم وهو الله تبارك وتعالى ونسال الله ان يقبل شكرنا.

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 17

إرسال تعليق

0 تعليقات