السادة و العبيد


السادة و العبيد

(فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ)           (آل عمران:39)
السيد : لفظ يُطلق على الربّ و المالك و الشريف و الفاضل و الحليم و مُحتمل الأذى من قومه و الزوج و الرئيس ... و أصله من ساد يسود فَقُلِبت الواو ياءً لأجل الياء الساكنة قبلها .
و في الحديث ( لا تقولوا للمنافق سيداً ، فهو إن كان سيّدكم و هو منافق فحالكم دون حاله و الله لا يرضى لكم ذلك )
و في حديث ابن عمر ( ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أسود من معاوية ، قيل ولا عمر ..!! ، قال : كان عمر خيراً منه و كان هو أسود من عمر ) قيل أنه كان أسخى من عمر بإعطاء المال و قيل أحلم منه .
و قال أبو عبيد : تعلموا العلم ما دمتم صِغاراً قبل أن تصيروا سادةً رؤساء منظورٌ إليهم ، فإن لم تعلّموا قبل ذلك استحييتم أن تَعَلَّموا بعد الكبر فبقيتم جُهّالاً تأخذون من الأصاغر . و في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، فإذا أتاهم من أصاغرهم فقد هلكوا ) .
و السيد عند العرب هو الكريم المقهور المغمور بحلمه و يدخل في هذا المعنى الحرُّ دو الرأي الراجح المُطاع في قومه ، و في هذا المعنى قالت الخنساء:
أ عينيّ جودا و لا تجمـدا           ألا تبكيان لصخر  الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل         ألا تبكيـان الفتى السيّدا
و قال آخر :
ما مات منا سيدٌ أبداً      إلا افتلينا غلاماً سيداً فينا
فليس كل حرّ سيّد و ليس كل من امتلك العبيد و الاماء سيّد و ليس من يملك المال سيّد ؛ فجدّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم عبد المطلب كان سيد قريش و عمه أبو طالب كان من سادة قريش مع عِلمنا برقة حاله و ضيق ما بين يديه .
روى مطرف عن أبيه قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال : أنت سيّد قريش ..؟ ، فقال النبي : السيد الله ... فقال : أنت أفضلها قولاً و أعظمها فيها طولاً ، فقال النبي : ليقل أحدكم بقوله و لا يستجرئنّكم ) . و معناه هو الله الذي تجب له السيادة ، و قد كره الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يُمدح في وجهه و أحب التواضع لله و جعل السيادة للذي ساد الخلق فهو مالكهم و الخلق كلهم عبيده .
و في الحديث : ( يا رسول الله من السيّد ..؟ قال : يوسف بن اسحق بن يعقوب ابن ابراهيم ، قالوا فما في أمتك من سيد ..؟! ، قال : بلى .. من آتاه الله مالاً و رُزِقَ سماحةً فأدى و شكره و قلّت شكايته في الناس ) و في الحديث أنه قال للحسن بن علي رضي الله عنهما ( إن ابني هذا سيّد ... و في تمامه ، و أن الله يصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين )
و في قول الحق عن يحيى ( وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ ) يعني أنه يتميّز عن غيره و فاقهم عفةً و نزاهة عن الذنوب . أخرج ابن أبي حاتم و ابن عساكر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يُعذّبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا )
فمما سبق يُفهم أن السيّد هو الذي يتميّز عن غيره بصفات ليست موجودة عندهم ؛ فالسيّد ليس لقباً يُمنح و لا منصباً يَتبوأه مُتسلق بل هي صفات و ميّزات يَتصف بها و يَتميّز . و قد قال القاضي في هذا المعنى : أن السيّد هو المتقدم و المرجوع إليه فلمّا كان سيّداً في الدين كان مرجوعاً إليه في الدين و قدوة فيه .
فالأحنف بن قيس قد قال عنه معاوية بن أبي سفيان : ( هو الذي إذا غَضِب ... غَضِب لغضبه مئة ألف فارس لا يسألونه فيما غَضِب ) . يُدرك مفهوم السيّد أنه المُطاع في اتباعه .
فكان الفهم الأول أن السيّد هو المالك لإرادته هو ، بل تتعدى هذه الإرادة إلى غيره فتشمل هذا الغير و يتعلق هذا الشمول بقدرة هذا السيّد ضعفه أو قوته بالنسبة لغيره من الأسياد و تميّزه عنهم بصفات ليست فيهم .
أما الرقيق ( العبيد ) و ( الاماء ) فلا يملكون إرادتهم لأنها متعلقة بإرادة السيّد فلا يملك من أمر نفسه شيئاً . و قد قالت العرب قديماً ( الحرُّ يُعطي و العبد تتعب أُستُه ) .
هذا ما كان و أما ما آل إليه هذا المفهوم ؛ فهو أن السيّد يَفرض نفسه فرضاً بجبروته و دعم غيره له و ليست له ميّزة إلا أنه قد أسلم نفسه لمن يدعمه و يضمن وجوده و استمراره في الحكم ، فلم يقل أحد من هؤلاء الأسياد كما قال أبو بكر ( قد وُليت عليكم و لست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوّموني ) ، بل كان قوله ( نزولاً عند رغبة الجماهير ) ، فكأنه أعلى منهم  و من جنسٍ أفضل من جنسهم و له ما يشغله عنهم ، و لكن لإصرارهم نزل عند رغبتهم .
إن السيّد اليوم أو من يدّعي هذه السيادة لمن يسودهم نظرةً علوية فهم بنظره مجرد أرقام فقط ... و لو مات منهم عشرة أو مئة أو ألفاً ... سيبقى غيرهم و لو أفناهم جميعاً فهو مستعد لإستيراد غيرهم بما يملك من مال و يحكمهم ، فالمهم بقاؤه و استمراره و الويل كل الويل للشعب إن تعرّضت حياته للخطر و هنا وَجب السؤال لنسأله ...


هل نحن أسياد أم عبيد ..؟ ... و هل نملك إرادتنا فِعلاً ..؟
فحُكماً ... نحن أحرار و تتعلق بذمتنا أحكام الأحرار ، و لكن ضمن الواقع الذي يعيش فيه المسلمون فهم لا يملكو ن إرادتهم فيحتاجون لإذن لكي يتحركوا و إذن حتى لا يتحركوا .
فكأننا مجموعة من الناس داخل سياج يتحكم السيّد بنا فنتحرك ضمن إرادته أو لا نتحرك ؛ فبتحقيق المناط نرى أننا في دولة العبيد و إن كنّا أحراراً حُكماً . فلا نسمع في وسائل إعلام الأسياد إلا ما يريدونَ و الفاعل هم و المفعول به الأمة و تعريف الأفعال عندهم ( قتلت ... سجنت ... لاحقت ... جرحت ... أسرت ... اعتقلت ) قوات الأمن و هذا ليس ضد من يهدمون الدين بل ضد من يريد أن يهدم هذه الأصنام .
إن دولة الإسلام هي دولة السادة ، فالحياة الكريمة للإنسان بوصفه إنسان لا توجد إلا فيها . بغض النظر عن دينه فهي التي تهتم برعاية شؤون رعاياها و تحقيق مصالحهم لإصلاح دنياهم و أُخراهم .
فنحن سادة في دولة الإسلام و عبيد تحن أنظمة الكُفر و نحن سادة إن جعلنا همّنا يَنصبُّ على إعادة موقعنا كَسادة في دولةِ السادة ، و نحن عبيد إن أُسكتنا و تخاذلنا و رضينا أن نظل داخل دول العبيد ... و ضمن سياج و ملكية ( السادة )





و آتي بالمثال بدون تعليق : فقد أعلن وزير الداخلية التونسي الهادي مهنّي : ( أنه و عملاً بالسياسة القومية التي ينتهجها صانع التغيير – يقصد رئيس الدولة زين العابدين ابن علي – و سعياً منه لترشيد ارتياد المساجد و دفعاً للفوضى فإن مصالح وزارة الداخلية ستقوم بتسليم بطاقة تمكنه من ارتياد أقرب مسجد في محل سكناه أو مقر عمله إذا اقتضت الحاجة ) . فمن هنا و صاعداً يتعيّن على كل تونسي الحصول على بطاقة مُصلٍّ و أن يودعها عند أقرب قسم شرطة أو حرس وطني و ستحمل البطاقة صورة المُصلي و عنوانه و أُسم المسجد الذي ينوي إرتياده و حسب الإرشادات الجديدة يتعيّن وجوباً على المصلي اختيار أقرب مسجد لمكان إقامته ، أما إذا كان المسجد المختار غير جامع فيجب على المصلي التقدم بطلب بطاقة خاصة بصلاة الجمعة .


لذا فيجب على الأئمة أن يتأكدوا من أن جميع المصلين داخل قاعة الصلاة حاملين لبطاقاتهم كما يتعيّن على كل امام طرد كل من لا يحمل بطاقة أو على بطاقته أسم مسجد آخر غير الذي يُصلي فيه . بدون تعليق




جواد عبد المحسن
حديث رمضان -3 

إرسال تعليق

0 تعليقات