مفهوم السيادة

مفهوم السيادة


يطلق السيّد على الرب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم والزوج والرئيس والمقدّم والمطاع عند قومه ، والذي يفوق الكلّ في الخير كلّه ، كما جاء بعض هذه المعاني في قوله تعالى (أنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَة مِنْ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً)آل عمران39فاذا فقدها تنتفي عنه هذه الصفة,وكذلك الدولة حتى تكون دولة لا بد ان تكون ذات سيادة فاذا فقدت السيادة فقدت صفة الدولة بل فقدت وجودها, والسيادة لا يمكن تقسيمها كما لا يمكن التنازل عنها لان السيادة انما (هي ممارسة الارادة العامة)، والارادة العامة لا يمكن تقسيمها كما لا يمكن التنازل عنها وكذلك ممارستها لا يمكن ان تقسم او يتنازل عنها, ، واما السلطة فانها تنبثق عن هذه الارادة العامة فهي (نتيجة) وليست ممارسة للارادة, وهناك فرق بين السلطة والسيادة وان كان اصلها واضح وهو الارادة العامة . فالسلطة نتيجة للارادة العامة اما السيادة فهي ممارسة لهذه الارداة العامة ولذلك كانت السلطة قابلة لان تقسم وقابلة لان يتنازل عنها بخلاف السيادة فانه لا يمكن تقسيمها ولا التنازل عنها . ولكن يتضح ذلك بلفت النظر الى ان لكل عمل يقوم به الانسان سببين يتعاونا معا احدهما الارادة التي تعين العمل والثاني السلطة التي تنفذ, فالانسان حين تتحرك الطاقة الحيوية متطلبة الاشباع ويندفع الانسان للاشباع على وجه معين تتمثل فيه من تحرك الطاقة والاندفاع على وجه معين ما يسمى بالارادة, او حين يقوم بالتنفيذ بواسطة سيطرته على قواة وتسليطه لقواه نحو الوجه المعين الذي يحصل به الاشباع, تتمثل من هذه السيطرة وهذا التسليط على الوجه المعين ما يسمى بالسلطة التي تنفذ, فيوجد من هذين الامرين العمل المراد ايجاده . فالسلطة هي في الحقيقة نتيجة هذه الارادة اما السيادة فانها ممارسة الانسان لهذه الارادة، فان من مارسها كانت له سيادة وان لم يمارسها لا تكون له سيادة ولذلك فان العبد الرقيق انسان وكل عمل من اعماله تدخل في احداثه الارادة والسلطة, ولكنه لا يمارس ارادته وانما يمارسها من يملكه, ولذلك لا تكون له سيادة وانما تكون لمن يملكه ولهذا يقال لمن يملكه سيده,فالسيد يأمر والعبد ينفذ ارادة السيد بسلطته التي اعطاها له السيد.
        هذا بالنسبة للفرد الواحد من بني الانسان, اما بالنسبة للجماعة فانه لا يحصل لها ذلك الا اذا تكتلت من اجله فيحصل حينئذ لهم من تكتلهم ارادة عامة ويوجد من جراء وجودها سلطة كما توجد من ممارستها سيادة . فالناس مثلا يندفعون بدافع غريزة البقاء للتكتل ليتمكنوا بهذا التكتل من حماية انفسهم بالدفاع عن انفسهم وعن مصالحهم, وهذا الدفاع حين تتحرك به الطاقة الحيوية على وجه معين منهم جميعا يوجد ما يسمى بالارادة العامة, او هي ارادة مجموعهم وقطعا ينتج عنها السلطة التنفيذية فهذه الارادة العامة تمنح ممارستها لشخص معين فتوجد من ممارسة هذه الارادة السيادة وتوجد نتيجة لها السلطة, ولهذا فان الشخص الذي يتولى شؤون الدولة يستطيع ويجوز له ان يمنح السلطة لمن يشاء ويستطيع ان يقسم السلطة ولكنه لا يستطيع ولا يجوز له ان يمنح السيادة لاحد ولا يستطيع ان يقسم السيادة لانها (ممارسة للارادة العامة)وهذه غير قابلة للتقسيم وغير قابلة للتنازل, وفي الحديث قال لعائشة "هل تَدْرِينَ لِمَ كان قومُك رفعوا باب الكعبة ؟ قالت لا قال تَعَزُّزاً أَن لا يدخلها إِلا من أَرادوا" .
والمثال يوضح المقال فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"ومن بايع اماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه فان جاء اخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر"وما روي عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله انه قال "اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما"ووجه الاستدلال في هذين الحديثين هو ان الحديث الاول يبين انه في حال اعطاء السيادة لواحد وجبت طاعته فان جاء اخر ينازعه هذه السيادة وجب قتاله وقتله ان لم يرجع .
فيبين الحديث ان من ينازع من اعطيت له السيادة وجب قتاله وهذا كناية عن منع تجزئة الدولة والحث على عدم السماح بتقسيمها ومنع ذلك ولو بقوة السيف، واما الحديث الثاني فانه يبين انه في حال خلو الدولة من رئيس اي من عملية اعطاء السيادة لشخص او(اذا اعطيت لشخصين) فاقتلوا الاخر منهما ومن باب اولى اذا اعطيت لاكثر من اثنين , وهذا كناية عن منع تقسيم الدولة لان منع اعطاء السيادة فيها لاكثر من واحد هو عينة منع تقسيمها وهذا يعني منع جعل الدولة دولا.
ان نظام الحكم في الاسلام يقوم على قواعد اربع هي :السيادة للشرع لا للشعب والسلطان للامة و نصب رئيس دولة واحدة فرض على المسلمين,وان لرئيس الدولة وحده حق تبني الاحكام الشرعية . وكل من له ادنى اطلاع على الاسلام من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ان هناك العديد من الاحكام الشرعية التي عالجت شؤون الحكم والسياسة، وشؤون الاجتماع والاقتصاد وشؤون المعاملات والعقوبات . كما عالجت العبادات والاخلاق والمطعومات والملبوسات, وهذا يعني ان مصدر الارادة العامة في الاسلام هو(سيادة المبدأ)ويعني ان الحاكمية لله وان هذه الاحكام مفروضة على الامة وعلى الدولة,والامة صاحبة السلطان في اختيار من تنيب عنها في السيادة,أي ان يحكمها على اساس الحاكمية لله وحده في كل امورها.
      وجاء في الاحاديث الشريفة ما يبين ويفصل ما جاء في الكتاب مما جعل الاسلام نظاما لكل مناحي الحياة فنظام الحكم فيه فريد لا يشبه غيره، ولا غيره يشبهه، لانه نظام يقوم على اساس روحي، وهو احكام شرعية مستنبطة من ادلتها التفصيلية الموصولة بالوحي، والدولة فيه هي الطريقة لتنفيذ احكامه، وحفظ اهدافه العليا ليصان المجتمع . فهو حين يخاطب كل فرد بعينه، فعلى الفرد ان يقوم بما خوطب به قيام المؤمن بدينه المتقي لربه، ولكنه حين يخاطب المسلمين بوصفهم جماعة، ويطلب منهم القيام بعمل بوصفهم جماعة لا بوصفهم افرادا، كقوله تعالى" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة ، فان هذا الخطاب موجه للمسلمين بوصفهم جماعة، وعليهم جميعا يقع اثم تعطيل هذا الحكم، وكذلك الخطاب الموجه للرسول بصفته رئيس دولة،اوراعيا للامة فهو خطاب للمسلمين بوصفهم جماعة، وكذلك بقية الاحكام المتعلقة بالحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع ورعاية الشؤون والعقوبات وغيرها فان اثم تعطيلها يقع على عامة المسلمين الذين لا يعملون جديا لتطبيقها . لذلك كان لا بد من ان ينيب المسلمون عنهم من يقوم بهذه الفروض وينفذ هذه الاحكام، فيسوس الامة، ويرعى الرعية، ويحمي بيضة الاسلام، ويقيم الحدود، ويحمي الثغور، ويحمل رسالة الاسلام الى العالم، ويتعامل مع الشعوب والامم الاخرى تبعا لهذه الاحكام والقواعد التي جاء بها الاسلام وعلى هذا فقد شرع الاسلام لدولته ونظام حكمه قواعد يقوم عليها واركانا واجهزة تنفذ ما جاء به من احكام, فالاسلام يختلف بل يتناقض مع كافة النظم في العالم في الشكل والمضمون.
     لقد ادرك الكافر حقيقة عنفوان الاسلام جرّاء معاناته من الممارسة العملية للدولة لمفهوم السيادة الداخلية والخارجية, وقوة عقيدته الدافعة عقب حصار المسلمين ل(فيّنا)فعمل ملوكهم وساستهم على ايجاد تكتل يجمعهم ليقفوا بمجموعهم امام فتوحات المسلمين المتعاقبة,ثم اوجدوا ما سمّي بالاسرة النصرانية تجاه المسلمين ,واوجدوا لهم قواعد تنبع من مثلهم المشتركة ومبادئهم,وبعد ان تخلّصوا من تسلط الكنيسة بتحديد العلاقة معها, ونشوء دول قوية في اوروبا, كان مؤتمر (وستفاليا سنة 1648) العلامة الفارقة لوجود نواة القانون الدولي وصار كل من يريد الانضمام اليهم الخضوع لشروط الدول المؤسسة له,وحين ارادت الدولة العثمانية الانضمام رفض طلبها مرارا حتى وافقت على شروطهم ومنها عدم تحكيم الاسلام في العلاقات الدولية وادخال بعض القوانين الاوروبية, فكان هذا الامر بمثابة تخلّي الدولة الاسلامية عن كونها دولة اسلامية في العلاقات الدولية(سنة1856) واعطاء الدول الاجنبية(الحق) بالتدخل في شؤون الدولة تحت شعار التاكد من تطبيق هذه الشروط وكان هذا اول انتزاع للسيادة او محاولة تجزئتها ولك ان تسمية ب(الانتحار السياسي) فجزء السيادة ليس كالحساب تطرحه من الكل,بل جزؤه ككله.
        وفي مقابل هذا الامر تماما فان هذه الدول عينها حين ارادت ان تتدخل في شؤون القارة الامريكية الجنوبية, وقفت امريكا في وجه تدخلها واصدر رئيس الولايات المتحدة الامريكية(جيمس مونرو)سنة1823 تصريحه الشهير وقال فيه "ان الولايات المتحدة الامريكية لا تسمح لاية دولة بالتدخل في شؤون القارة الامريكية,واحتلال أي جزء منها"فادركت الدول الاوروبية هذا الموقف وجديته.
     لقد كانت اهم بنود(سايكس بيكو)حين مزقت بلاد المسلمين الاشراف المباشر على كل صغيرة تحدث وكبيرة في كل مجالات الحياة, سياسية او اقتصادية او تعليمية او صناعية لمنع نشوء دولة او دول ذات سيادة,لتبقى السيادة لهم وارادتهم النافذة في كل امر او وظيفة او بناء يؤثر ولا بد ان يمر عبر موافقتهم, ومثاله خط انابيب (التاب لاين), والذي من اجله حصلت سلسلة الانقلابات في سوريا,والحكام كلّهم عبيد عند سادتهم فيعطونهم سلطة لقمع شعوبهم, فالارادة في كل الاحوال للسيد يأمر العبد بالصلح او بالحرب او بالقطيعة اواعادة العلاقات,فقرار السيد امر ينفذه العبد,وسأل احدالشعراء فيصل الاول حين دخل دمشق فقال:
بجيشك ام بجيش الانجليزي       دخلت بلاد الشام ايزي
    وانتهت الحرب العالمية الثانية, ودخل دائرة الصراع من ياكل ولا يشبع ولا يرى في هذا العالم الا مصالحه,فبدأ بحلفائه عقب الحرب العالمية الثانية بمشروع (مارشل)في محاولة للسيطرة على اقتصادهم,ثم لاحقهم لطردهم من مستعمراتهم ليحل محلهم,وامست هيئة الامم والبنك الدولي كأنها دوائر تابعة لوزارة الخارجية الامريكية يستعملها حسب مصالحه والويل والثبور وعظائم الامور لمن يحاول منازعته او مخالفة امره ,فما زال ظل هزيمة ديغول يخيّم فوق رؤوس ساسة اوروبا,وازداد الامر سوءا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ليصبح العالم قطبا واحدا تلعب فيه امريكا لوحدها,فقد رفعت امريكا شعار الحرب على الارهاب عقب احداث 9/11 ودخلت افغانستان العراق وبنت قواعدها في الخليج وتدخلت في كل شؤون العالم تحت هذا الشعار ونشرت طائراتها بدون طيار لتقتل في اليمن وباكستان وافغانستان من ارادت تحت سمع وبصر الحكام الاجراء,وليس هذا وحسب بل تختطف من تشاء وتحاكم من تشاء,وكان آخر اعمالها ما كشف حديثا من انها تتجسس وتتنصت على حلفائها دون ان تحسب حسابا لاحد وكأن العالم لا احد فيه الا هي وان لها الحق المكتسب بقوتها في السيادة على العالم اجمع.
       ان الكافر بكل اجنحته المتصارعة قد توافق على امر هو منع المسلمين من ان تكون لهم سيادة لا جزئية ولا كلية,وان بلاد المسلمين يجب ان تبقى مشرّعة الابواب لكل ناعق يعيث فسادا وخرابا,فكان الاستشراق والاستعمار والاستقلال ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق المرأة والانسان تتم بعلمة وامره لخدمته,ومثاله ان الجمعيات (الخيرية) التي تعمل في بلادنا لا يسمح لها بممارسة نشاطها في بلدها لكونها تمس سيادة هذا البلد او ذاك.
     ان دولة الاسلام القادمة باذن الله عز وجل لن تكون كهذه الدويلات الالهيات ولن يسمح بدخولها الا من تريد دخوله بشروطها هي ولن تسمح لمن يدخلها بان يقوم بأي امر خلا ما دخل من اجله,فدولة الاسلام ليست ساحة عبث او اختبار وهذا الامر لا تقوم به الدولة وحدها بل هو مسؤولية كل مسلم,فحراسة الدولة من المتسللين الذين يبغون طلب الثغرات في المجتمع المسلم واجب على كل مسلم وجوب الصلاة,فكل مسلم على ثغرة فلا يؤتينّ بها من قبله,وهذه الروح الجماعية من ميزات المجتمع المسلم فكل ديار يعرف الغريب ويسأل عن حاجته .
    لقد كان بحر العرب وباب المندب وصولا الى الهند وشاطىء البر الافريقي وصولا الى تنزانيا,وكذلك الامر بالنسبة للبحر الاحمر وللبحر المتوسط وبحر مرمرة ومضيق البسفور والدردنيل كلها منطقة سيادة للدولة الاسلامية,وهذا يعني ان من اراد الدخول لا يدخل الا بارادة الدولة, وتجاوز الدولة يعني المساس بسيادتها وتفسير هذا الامر عند الدولة اعلان حرب على من تجاوز.   
لقد ساعد الرحالة العربي المسلم (ابن ماجد) بارثولوميو ديازسنة1487 م  في مسيره حتى بلوغ رأس الرجاء الصالح وتجاوزه، وأمده بالخرائط التي وضعها المستكشفون والرحالة والعلماء المسلمين من أيام الفتوحات الإسلامية. وذكر بعض المؤرخين مثل "النهروالي" و"فراند" أن الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما استعان بابن ماجد كربان في ترحاله وبخاصة في رحلته من مالندي على ساحل أفريقيا الشرقية إلى كاليكوت في الهند سنة 1498م كما انتقد بعض المؤرخين العرب ما قام به ابن ماجد إذ أنه ساعد البرتغاليين,ولم يدرك انه قد فتح بابا واسعا للكافر وما نزال ندفع ثمنه,فلقد كانت مصر مركزا للتجارة بين الشمال والجنوب وانتهى دورها بعد معرفتهم لطريق الهند عبر رأس الرجاء الصالح.          
     ان الحياة الحرة الكريمة العزيزة لا تكون الا في دولة الاسلام فهي بحبوحة العيش وغيرها ضنكه,واذا فتح الحديث عن الضنك والقهر والظلم الواقع على المسلمين لا ينتهي, فخاتمة القول ان دولة الاسلام هي دولة الاسياد السادة وغيرها وان تسمّت باي اسم فهي في خانة دول العبيد.
   
فَما العِزُّ للإِسْلاَم إِلاَّ بِظِلَّهمْ          وَمَا الْمَجْدُ إِلاَّ مَا بَنَوْه فَشَيَّدُوا

جواد عبد المحسن
حديث رمضان 13 
2015

إرسال تعليق

0 تعليقات