الخاطئ والمخطئ والشفاعة

الخاطئ والمخطئ والشفاعة

الخاطئ فعله خطِئ : وهوالذي يتعمد الخطأ ، أو يواقع الذنب وهو يعلمه ،قال تعالى  (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)يوسف وقال  (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)القصص والمخطئ : الذي لا يتعمد خطأ ولا يقترف الذنبَ إلا جهلا أو سهوا بلا قصد ، ومنه قوله تعالى : (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)286 البقرة قوله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)الاحزاب.وقد فرقت النصوص بين القتل المتعمد والقتل الخطأ في أحكام الدنيا والآخرة, ومن الأدلة المشهورة قوله تعالى (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) البقرة:286 وثبت في الحديث الصحيح من رواية مسلم أن الله سبحانه استجاب لهذا الدعاء فقال:فقد فعلت .
ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ قوله- صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)رواه ابن ماجة والحاكم ، قال الحافظ ابن رجب في شرحه لهذا الحديث (الخطأ:هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً, ولكن رفع الإثم لا ينافي أن يترتب على نسيانه حكم، ولو قتل مؤمناً خطأ فإن عليه الكفارة والدية بنص الكتاب، وكذا لو أتلف مال غيره خطأ بظنه أنه مال نفسه, الناسي والمخطئ إنما عفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما، وأما رفع الأحكام عنهما فليس مراداً من هذه النصوص فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر.
إعذار المجتهد المخطئ في الأحكام، وهو قوله – صلى الله عليه وسلم-: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) قال الحافظ الخطيب البغدادي – رحمه الله -: (فإن قيل: كيف يجوز أن يكون للمخطئ فيما أخطأ فيه أجر، وهو إلى أن يكون عليه في ذلك إثم لتوانيه وتفريطه في الاجتهاد حتى أخطأ؟ فالجواب، أن هذا غلط لأن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يجعل للمخطئ أجراً على خطئه، و إنما جعل له أجراً على اجتهاده، وعفا عن خطئه لأنه لم يقصده، و أما المصيب فله أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته) ، واستدل جمهور العلماء بهذا الحديث على تخطئة بعض المجتهدين ممن لم يصب الحق و أن الحق مع أحدهم أو بعضهم، وفيه رد على من قال: كل مجتهد مصيب، يقول الإمام ابن قدامة – رحمه الله-: (والحق في قول واحد من المجتهدين ومن عداه مخطئ، سواء كان في فروع الدين أو أصوله) ، ثم ذكر الأدلة على ذلك ومنها هذا الحديث، وقال الإمام الزركشي: (واختلف العلماء في حكم أقوال المجتهدين، هل كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد؟ ذهب الشافعي و أبو حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء رحمهم الله إلى أن الحق في أحدهما، و إن لم يتعين لنا فهو عند الله متعين، لاستحالة أن يكون الشيء الواحد في الزمان الواحد في الشخص الواحد حلالاً حراماً، و لأن الصحابة تناظروا في المسائل و احتج كل واحد على قوله: وخطأ بعضهم بعضاً، وهذا يقتضي أن كل واحد يطلب إصابة الحق، ثم اختلفوا، هل كل مجتهد مصيب أم لا؟ فعند الشافعي أن المصيب منهم واحد و إن لم يتعين، و إن جميعهم مخطئ إلا ذلك الواحد وبه قال مالك وغيره..) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (فإذا أريد بالخطأ الإثم، فليس المجتهد بمخطئ بل كل مجتهد مصيب مطيع لله، فاعل ما أمره الله به، و إذا أريد به عدم العلم بالحق في نفس الأمر فالمصيب واحد، وله أجران..) ، ونختم الكلام حول هذا الحديث بالإشارة إلى أن من أخطأ فحكم أو أفتى بغير علم واجتهاد فهو آثم عاص ، يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – (.. فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن و الإيمان مثلاً، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطناً وظاهراً الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله فهذا مغفور له خطؤه…..) ، لكنه لا يكفر إن فرط في الاجتهاد فوقع في الكفر خطأ، لأن الكفر يكون بعد قيام الحجة، يقول شيخ الإسلام: (.. وأما (التكفير) فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم- وقصد الحق، فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين: فهو كافر، ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته..) ، ويقول – أيضاً -: (وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، و إن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة و إزالة الشبهة) ، وخلاصة هذا المبحث ما يلي:
قد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في إعذار المخطئ، و أن حكمه حكم الجاهل والمتأول – فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه -، و أنه إن كان مجتهداً فيما يسوغ فيه الاجتهاد – فله أجر باجتهاده – ولو أخطأ – أما إن لم يكن مجتهداً وأخطأ فيأثم لتفريطه.
قال شرح كتاب السنة للبربهاري رحمه الله [والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين يوم القيامة، وعلى الصراط، ويخرجهم من جوف جهنم، وما من نبي إلا وله شفاعة، وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون، ولله بعد ذلك تفضل كثير على من يشاء، والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً.
           يجب على المسلم أن يؤمن بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين، والخاطئون بمعنى المذنبين، لكن الخاطئ غير المخطئ؛ لأن المخطئ هو الذي فعل الشيء من غير تعمد، وهو قد يغفر له، مثل قتل الخطأ، بخلاف الخاطئ، فإن الخاطئ هو المذنب العاصي المتعمد، فهو أشد إثماً من المخطئ.
ففرق بين الخاطئ والمخطئ، ولهذا قال الله تعالى في سورة الحاقة: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:35 - 37] أي: المذنبون، أما المخطئ فهو الذي فعل الشيء عن غير عمد.
وقد جاء في إثبات الشفاعة أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصرحت هذه الأحاديث بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، أي من أهل التوحيد، مؤمنون موحدون مصلون، لكن دخلوا النار بذنوب ومعاص ارتكبوها ولم يتوبوا منها، فهذا دخل النار لأنه مات على الزنا من غير توبة، وهذا مات على الربا من غير توبة، وهذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة، هذا مات على قطيعة الرحم من غير توبة، وهؤلاء العصاة الموحدون منهم من يعفو الله عنه من أول وهلة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، ومنهم من يعذب في قبره وتسقط عنه عقوبة جهنم بعذاب القبر، كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ومنهم من تصيبه الأهوال والشدائد في يوم القيامة، ويكون ذلك تكفيراً لذنوبه، ومنهم من يستحق دخول النار ثم يشفع فيه قبل أن يدخلها، ومنهم من يدخل النار، ولا بد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر، فقد تواترت الأخبار بهذا.
     ونبينا صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات، في كل مرة يحد الله له حداً بالعلامة، فقد ورد في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيشفعه الله فيمن كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، وفي بعضها مثقال نصف دينار، وفي بعضها: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي بعضها: أخرج من كان في قلبه أدنى من مثقال حبة من إيمان، فهذه أربع شفاعات للنبي صلى الله عليه وسلم للمذنبين الذين استحقوا دخول النار.
وجاء في بعضها أن في المرة الأولى يقال له: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وفي المرة الثانية: أخرج من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، وفي المرة الثالثة: أخرج من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ويشفع كذلك بقية الأنبياء، والملائكة والشهداء والصالحون والأفراط، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، فيخرج قوماً من النار لم يعملوا إحساناً قط، يعني: لم يعملوا ما هو زيادة عن التوحيد والإيمان، كل هذا تواترت به الأحاديث.
فالإيمان بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين في يوم القيامة حق، وكذلك شفاعة غيره، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة.
قال عليه الصلاة والسلام: (إن كل نبي تعجل دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة)، أما الكافر الذي مات على الكفر، فلا حيلة فيه ولا شفاعة له، قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} [البقرة:254]، فهذا في أهل الكفر.
    وما من نبي إلا له شفاعة، وكذلك الصديقون يشفعون، والصديق: على وزن فِعِّيل، وهو من قوي تصديقه وإيمانه بالله، فأحرق بقوة تصديقه الشبهات والشهوات، ومقدمهم فينا الصديق الأكبر أبو بكر، ودرجتهم أعلى من الشهداء، ولما اهتز أحد وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيد)، فدرجة الصديقين فوق درجة الشهداء.
ثم بعدها درجة الشهداء، والشهيد: هو الذي بذل نفسه رخيصة في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، فإنه بذل أغلى ما يملك وهي نفسه التي بين جنبيه، فقاتل أعداء الله، لإعلاء كلمة الله.
ثم بعد ذلك درجة الصالحين من المؤمنين على تفاوتهم فيما بينهم، فمنهم السابقون، ومنهم المقتصدون، ومنهم الظالمون لأنفسهم، فالسابقون في أعلى الدرجات، وهم الذين داوموا على الفرائض والنوافل، وتركوا المحرمات والمكروهات، والمقتصدون هم الذين اقتصروا على أداء الفرائض وترك المحرمات، ولم يفعلوا النوافل وقد يفعلون بعض المكروهات، والظالمون لأنفسهم موحدون مؤمنون، لكنهم قصروا في بعض الواجبات، أو فعلوا بعض المحرمات، فهؤلاء عندهم أصل الصلاح وأصل التقوى، فينفعهم هذا الصلاح والتقوى في عدم الخلود في النار، ولكنهم قد يدخلون النار ويعذبون، لكن في النهاية مآلهم إلى الجنة والسلامة.
ان الله تعالى يتفضل بعد ذلك على من يشاء، فيخرج برحمته بقية أهل التوحيد الذين لم يشفع فيهم، ولهذا وهذا قد جاءت فيه الأحاديث التي أثبتت أن المؤمنين العصاة الذين دخلوا النار يحترقون فيها ويصيرون فحماً، وأنهم يخرجون من النار ضبائر ضبائر -أي: جماعات جماعات- بعدما صاروا فحماً، وأنهم يموتون فيها إماتة، كل هذا ثبت في صحيح مسلم وغيره، وأنهم بعد أن يخرجوا من النار يلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، يعني: البذرة، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة.

قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناسٌ أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - وأماتتهم إماتة ً حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة في حميل السيل فقال رجل من القوم كأن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قد كان بالبادية وفي رواية يحيى بن بكير عن الليث أن أبا سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا قال هل تضارون في رؤية الشمس إذا كان صحوٌ قلنا لا قال فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذٍ إلا كما تضارون في رؤيتها ثم قال ينادي منادٍ ليذهب كل قومٍ إلى ما كانوا يعبدون فذكر نحو معنى حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد بطوله وفيه قلنا يا رسول الله وما الجسر قال مدحضة ٌ مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكٌ مفلطحة له شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان وفيه فناجٍ مسلم وناج مخدوش ومكدوسٌ في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحباً .الجمع بين الصحيحين.

جواد عبد المحسن
حيث رمضان - 13
2015

إرسال تعليق

0 تعليقات