وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ

وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ

آيتان من آيات الله تستوجبان التدبر والتفكير في قضية العمل (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل، وقال عز وجل: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) الاحقاف.
ان القضية الاساسية ليست ذات العمل وانما هي ان يكون هذا العمل مقبول سواء اكان صغيرا ام كبيرا او عظيما، فنحن نجتهد لفعل (العمل المتقبل)، وهذا ما ادركه ولد آدم عليه السلام (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة. ونجتهد ونروض النفس على ان يكون هذا العمل خالصا لله، وخلوصه يعني عدم وجود شائبة تفسد العمل فتنفي عنه خلوصه، قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) الفرقان.
ان العمل يوصف بالصلاح او الفساد بناء على امر الله ونهيه، والحكم عليه عندنا بما نراه ونعلمه، فنقول هذا عمل صالح، ولا نعلم انه رياء او تسميع او غير ذلك من مفسدات الاعمال، ولكن الله يعلم مكنونات القلوب فانه يعلم السر واخفى ومكنونات النفس هي التي اخفى من السر، فالسر بين اثنين على الاقل بعكس (الاخفى) لانها بين العبد ونفسه فقط ولا يتشاركها مع احد. هذه نصيحة من القلب لنفسي ولاخوتي وبارك الله فيكم واخلص نياتكم واصلح اعمالكم.
يقول الطبري رحمه الله في الآية الاولى: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)، يقول تعالى ذكره فتبسم سليمان ضاحكا من قول النمله التي قالت ما قالت وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي يعني بقوله اوزعني الهمني عن ابن عباس في قوله قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك يقول اجعلني، حدثني يونس قال اخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قول الله رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي، قال في كلام العرب تقول اوزع فلان بفلان يقول حرض عليه وقال ابن زيد اوزعني الهمني وحرضني على ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي، قال الجوهري: ((استوزعت اللَّه فأوزعني، أي استلهمته فألهمني))، وقال الراغب: ((وتحقيقه أولعني بذلك)) وقوله وان اعمل صالحا ترضاه. يقول واوزعني ان اعمل بطاعتك وما ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين يقول وادخلني برحمتك مع عبادك الصالحين الذين اخترتهم لرسالتك وانتخبتهم لوحيك يقول ادخلني من الجنه مداخلهم، حدثني يونس قال اخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين قال مع عبادك الصالحين الانبياء والمومنين.
(حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(15))[سورة الأحقاف].
إن من المعروف أن الآية توصي الإنسان بوالديه إحساناً، وهذا أمرٌ لا يصدر إلا من عبدٍ نبيهٍ يقظٍ لا يفوته من عمره شيءٌ إلا أنفقه في الإحسان والصلاح، وهكذا فهو ما إن يبلغ سن الشباب والتكليف حتى يتوجه إلى عمل الخير والصواب، بأسلوبٍ كريمٍ شريفٍ، فكان من أولي الألباب، فإن فاته زمن الشباب والفتوة، استيقظت نفسه في زمن الكهولة، وانطلقت للأعمال الجميلة، فهما مرحلتان لا يصح أن تفوت على الإنسان، وإلا وقع في الخسران، وهكذا فإن الإنسان اليقظ ينتبه في إحداهما، ويتوجه إلى ربه قائلاً: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ..) إنه يسأل الله القوي الخلاق، أن يجمع قوته وجهده ويعينه على توجيه نشاطه إلى شكر نعمة الله عليه وعلى والديه، فما المراد بالشكر؟
المراد به أن يستمر مستقيماً على نعمة الإسلام، وأن يتمسك مخلصاً بدين الحق وأن يقوى على طريق الهدى بلا انفصام، فما إذا استقام العبد شاكراً لنعمة الله وهي الإسلام، فقد نال السلام في الدنيا والأخرى وهذا منتهى المرام، ثم ماذا؟ ثم ها هو يضيف على ذلك أن يرجو من ربه العون على شيءٍ هام، وهو: (..وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ..) فقد ذكر كلمة صالحاً ليشمل كل صلاح، ذلك أن العمل الصالح هو المطلوب من الإنسان، وهو الطريق الحق إلى غفران الله وإلى جناته والرضوان، ولكن لا يفلح العمل الصالح إلا إذا كان الله قد قبله ورضي به، ولا يقبل الله إلا العمل المخلص الذي لا رياء فيه، ولا شريك لله فيه، فهذا هو الذي يرضاه الله، وإذا رضي الله فقد استحق صاحبه كل خير، ثم ماذا؟
إن الرجل الصالح لا يقنع بأن ينال وحده رضاء الله، بل يتمنى أن يمتد الرضا والعطاء إلى من وراءه من الذرية ليسعد الجميع ويأمنوا، وليفوز الجميع ويفلحوا، ولهذا قال: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)، والمراد أن تكون الذرية تابعةً له في الصلاح، ومباركةً في الأعمال والعطاء، واسعةً في الأثر وفي الهدى، ليسعد بهم الناس جمعاء، وهذا كما بارك الله في ذرية إبراهيم وكما جعل عيسى مباركا، بل وجعل القرآن مباركاً وأنزله في ليلةٍ مباركةٍ فكان خيره شاملاً للناس والأزمان، فهو دعاءٌ جميل، أن يقول الإنسان: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي). ثم ماذا بعد؟ ثم يختم الدعاء بقوله: (..إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ(15))[سورة الأحقاف].
تَمَنَّيْتُ أَنَّ الشَّيْبَ عَاجَلَ لِمَّتِي *** وَقَرَّبَ مِنِّي فِي صِبَايَ مَزَارَه
لآخُذَ مِنْ عَصْرِ الشَّبَابِ نَشَاطَهُ *** وَآخُذَ مِنْ عَصْرِ الْمَشِيبِ وَقَارَهُ


 حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن


إرسال تعليق

0 تعليقات