أحوال النفس

أحوال النفس

ان لكل مسلم اعداء واعظمهم عليه ضررا اثنان: نفسه الامارة بالسوء والشيطان، وبينهما فوارق؛ منها ان النفس فطرت وجبلت على الاسلام مع قبولها لما يضاده في قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) رواه البخاري. اما الشيطان فهو شر محض، فدل هذا على ان الاصل في النفس الخيرية كما ان الاصل في شياطين الجن الشر.
ان النفس غالبا ما تكون على حسب ما يلقى فيها من الخير او الشر، فاذا غذيت بالخير ونمى فيها صارت نفسا طيبة صالحة، وان غذيت بالشكوك والشبهات والشهوات صارت نفسا امارة بالسوء كما في قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس، ومن هنا انقسمت النفس الى امارة بالسوء والى طيبة قابلة للحق، وبينهما قسما ثالثا وهي النفس اللوامة التي اجتمع فيها فجور وتقوى.
لقد ذكر الله الشيطان في القرآن كثيرا، وبين انه داع الى الكفر والشرك وما دونهما، واما النفس الامارة بالسوء فلم يذكرها سبحانه الا قليلا كما في قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات، وقوله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف، فالضرر على العباد من جهة الشيطان اكثر منه بكثير من جهة النفس.
والناس على قسمين:
-       قسم ظفرت به نفسُه فملَكَتْه وأهلكته، وصار طوعًا لها تحت أوامرها.
-   وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعًا لهم منقادة لأوامرهم، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ النازعات: 37, 41.
والنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة، والرب يدعو عبده إلى خوفه، ونهي النفس عن الهوى، والقلب بين الداعيين يميل إلى هذا الداعي مرة، وإلى هذا الداعي مرة، وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف الله سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، واللوامة، والأمَّارة بالسوء، وصدق القائل حين قال:
والنَّفْسُ كالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شبَّ عَلَى      حبِّ الرَّضاعِ، وإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

النفس المطمئنة
قال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) الفجر، فالنفس المطمئنة: هي التي سكنت إلى الله، واطمأنَّت إليه بذكره، وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه، وأَنِسَتْ بقربه. فصاحب النفس المطمئنة يطمئن من الشكِّ إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذِّكر ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الكذب إلى الصدق وأصل ذلك كله هو اليقظة التي كشفت عن قلبه سنة الغفلة، وأضاءت له قصور الجنة، فصاح:
ألا يا نفسُ وَيْحَكِ ساعديني     بِسَعْيٍ مِنْكِ في ظُلَمِ اللَّيَالي
لعلَّك في القيامةِ أَنْ تَفوزي     بطِيبِ العَيْشِ في تلك العلالي
فأدرك بنور الهداية في غفلة الحياة الدنيا ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين يموت ورأى سرعة انقضاء الدنيا وقلة وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها وفعلها بهم أنواع المثلات، فنهض في ذلك الضوء قائلاً: ﴿يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ الزمر 56].
ان النفس المطمئنَّة: هي إحدى درجات النَّفس الإنسانيَّة، التي ترتقي بأعمالِها من حال النَّفس الأمَّارة بالسوء، حتَّى وصلت إلى مرتبة الاطمِئْنان، والطمأنينة: هي سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطِرابه وقلقه فعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، وَأَنَا أُرِيدُ أَلاَ أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ ، فَقَالُوا  إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم  فَقُلْتُ  دَعُونِي أدنوا مِنْهُ ، فَقَالَ : ادْنُ يَا وَابِصَةُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ ، فَقَالَ : يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ عَمَّا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ أَوْ تَسْأَلُنِي فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي ، وَيَقُولُ : يَا وَابِصَةُ ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتُوكَ) فجعل الله سبحانه الطمأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم وجعل الغِبْطة والبشارة بدُخُول الجنَّة لأهل الطمأنينة، فطوبى لهم وحسن مآب.
فالفرق بين الطُّمأنينة والسكينة: أنَّ الطمأنينة أعمُّ وأشمل، وتكون في العلم واليقين؛ ولهذا اطمأنَّت القلوب بالقرآن، أمَّا السكنية، فإنَّها ثبات القلْب عند هجوم المخاوف عليْه، وسكونه وزوال قلقِه واضطرابه، فالنفس المطمئنة هي النفس التي سكنت واستقرَّت في مقام الاطمئنان والسَّكينة والأمن.
والنَّفس المطمئنَّة: هي النفس التي تجد أمْنَها وسكينَتَها مع ذكر الله؛ {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد: 28]؛ أي: تطيب وتركَن إلى جانب الله، وتسكُن عند ذِكْره، وترضى به مولًى ونصيرًا، ويؤكِّد سبحانه أنَّ اطمِئْنان القلوب لا يتمُّ إلا بذِكْره فقد رُوي أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لرجُل: ((قل: اللهُمَّ إني أسألُك نفسًا بك مطمئنَّة، تؤمن بلقائِك، وترضى بقضائِك، وتقنع بعطائك)) أخرجَه الحافظ ابنُ عساكر.
اما كيف نصل الى مرتبة النفس المطمئنة وكيف ننتقل من الاولى والثانية ونرتقى للمطمئنة فسؤال يحتاج الى جواب بل ويجب علينا ان نجيب عنه، واهم امر يعين على هذا ان نعيش ضمن مظلة الله وان نكثر من ذكر الله، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللًّهِ الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد 28، فعن أبى موسى الاشعرى قال قال صلى الله عليه وسلم: " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" رواه البخاري. وعن أبى هريرة وأبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما جلس قوم يذكرون الله تعالى إلا غشيتهم الرحمة، وحفت بهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) ابونعيم في حلية الأولياء. وان نحسن الظن بالله في حال العسر كما في حالة اليسر وان نعتقد جازمين بان الله متم امره قطعا، وان ما لا نراه بعين رأسنا نراه يقينا بعين عقيدتنا، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) البخاري.
واول الافعال المطلوبة منا حتى نصل الى النفس المطمئنة مجاهدة النفس كما فى الحديث عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنْتُ آتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : سَلْنِي ، فَقُلْتُ: مُرَافَقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، فَقَالَ : أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) الآحاد والمثاني، وقد ذكّر ابو بكر عمر وهو يستخلفة ( ان اول ما احذرك منه نفسك التى بين جنبيك )، وسأل رجلاً عبد الله بن عمر فقال ما تقول في اعداد النفس للجهاد ؟ قال: يا عبد الله ابدأ بنفسك فاغزها وابدأ بنفسك فجاهدها، ويقول عبد الله بن المبارك ( ان اخوف ما اخاف عليك نفسك التى بين جنبيك فانك ان اتصرت عليها كنت على غيرها اقدر وان انهزمت امامها كنت على غيرها اعجز ). وصدق الله العظيم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة الحديد 28.


النفس الامارة بالسوء
واما النفس الامارة بالسوء فهي النفس المذمومة التي تامر بكل سوء، فما تخلص احد من شرها الا بتوفيق الله كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم خطبة الحاجة: ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئآت اعمالنا) مسلم والنسائي، فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الاعمال، فاذا خلّى الله بين العبد ونفسه هلك وان وفقه واعانه نجا من ذلك كله.
وقد انتصبت النفس الامارة بالسوء مقابل المطمئنة فكلما جاءت به تلك من خير ضاهتها هذه وجاءتها بالشر بما يقابله حتى تفسد عليها حياتها فتريه حقيقة الجهاد في صورة تقتل فيها النفس وتنكح الزوجة ويصير الاولاد يتامى ويقسم المال وتريه حقيقة المال والصدقة في صورة مفارقة المال ونقصه وخلو اليد منه واحتياجه الى الناس ومساواته بالفقير.
ان النفس الامارة بالسوء تدفع صاحبها للوقوع في المعاصي ومجتمعات المسلمين ابتليت في هذه الازمان بكثرة المعاصي والذنوب وانتشار المنكرات مع الاسف وفساد الذوق العام وتخلخلت المقاييس وهيمن الفكر الراسمالي وارجع كل امر الى المصلحة التي اصبحت ميزانا للاعمال فتغلغلت في النفس حتى امست من المسلّمات كالكذب مثلا نستعمله للخروج من مازق ونصلي عقبه ولا يتمعر الوجه الا من رحم ربي، قَالَ ابنُ القَيّم رَحمَه اللهُ تعالى: ممَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الذنوبَ والمَعَاصيَ تَضُرُ ولابد أَنَّ ضَرَرَهَا في القَلْبِ كَضَرِرِ السُّمُومِ في الأبدان على اختلاف دَرَجَاتِها في الضَرَرِ. وهَلْ في الدُنيا والآخِرَةِ شَرٌّ وداءٌ، إِلا بِسَبَبِ الذُنوبِ والمعاصي، )ومن الناس من توسوس له نفسه الامارة بالسوء ارتكاب الذنوب والمعاصي ويتساهل فيها طالما يؤدي اركان الاسلام وفرائضه ويعتقد ان الذنوب امرها سهل والله غفور رحيم وشعاره (قلبي ابيض وليوم الله يفرجها الله)، وهذا فكر غير صحيح فان الله غفور رحيم وشديد العقاب لمن عصاه وخالف امره، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) المائدة. فالمعاصي ان استقرت في النفس تورث الذل لصاحبها والوحشة بين العبد وربه وبين العبد والناس، وقد قال عبد الله بن عباس: (ان للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وان للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهن في البدن ونقص في الرزق وبغضا في قلوب الخلق.
ان النفس لا تأمر بخير قط حتى لو وصلت الى مرتبة النفس المطمئنة، فاذا وجدت نفسك تنقاد لك في فعل بعض الطاعات فاعلم ان ذلك ليس برغبتها وانما خوفك من الله ومن الآخرة، فاذا قهرت نفسك تستطيع ان تقودها، اما اذا اطلقت عنانها امرتك بالسوء. والنفس نزّاعة الى الشهوات دوما مهما ارتقى المسلم في درجات الايمان فالنفس لا تخرج عن اطارها الآدمي التي تهفو اليها من حب الجاه والتملك والتميّز والنساء والمال، وكل ما تهواه وتتمناه لذا فان من اقبح ما يكون ان ترضى عن نفسك  قال تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32) النجم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنس (ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ : شُحٌّ مُطَاعٌ ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِرَأْيِهِ) جامع الاحاديث، فستظل دائما ابدا في جهاد مع نفسك حتى الموت.


النفس اللوّامة
اما النفس اللوامة فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة، فهي كثيرة التقلب والتلون، فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن ونرضى وتغضب.
وقالت طائفة اخرى هي نفس المؤمن، قال الحسن البصري: ان المؤمن لا تراه الا يلوم نفسه دائما؛ يقول: ما اردت بهذا.. لم فعلت هذا... كان هذا اولى من هذا.
واللوامة هي الملومة وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، وهذه موضع تفكرنا، ان من نعم الله عز وجل على العبد ان يكون له واعظا من نفسه يزجره، اذا قصر في طاعة الله عز وجل او تجاوز حده بمعصيته، فالنفس اللوامة التي تلوم صاحبها على تقصيره لهي من نعم الله تبارك وتعالى على العبد، فهي اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها,، وتحذر خداع ذاتها فهي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع يوم القيامة (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)القيامة، ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة. في ظلال القرآن.
قال ابن كثير: اما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الآية: ان المؤمن والله ما نره يلوم نفسه. ما اردت بكلمتي ...؟؟ ما اردت باكلتي...؟؟؟ ما اردت بحديث نفسي...؟؟ وان الفاجر يمضي قدما قدما ما يعاتب نفسه.
وقال جبير: بلغنا عن الحسن انه قال في قوله تعالى: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)، قال ليس احد من اهل السموات والارضين الا يلوم نفسه يوم القيامة، وعن عكرمة قال: يلوم على الخير والشر لو فعلت كذا وكذا.
وقال ابن عباس: هي النفس اللؤوم وقال ايضا: اللوامة المذمومة، وقال قتادة: اللوامة الفاجرة، وقال ابن كثير وابن جرير، وكل هذه الاقوال متقاربة بالمعنى، والاشبه بظاهر التنزيل انها التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات. تفسير القرآن العظيم لابن كثير، وقال القرطبي ومعنى النفس اللوامة أي بنفس المؤمن الذي تراه الا يلوم نفسه فيقول ما اردت بكذا ...؟؟ فلا تراه الا وهو يعاتب نفسه. وقال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله. وقال الفراء: ليس من نفس محسنة او مسيئة الا وهي تلوم نفسها، فالمحسن يلوم نفسه ان لو كان ازداد احسانا، والمسيء يلوم نفسه الا يكون ارعوى عن اساءته. الجامع لاحكام القرآن.
قال الثعلبي في تفسيره: وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالامارة بالسوء فانها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة ومرة تلوم على فوات ما تشتهي فاذا اطمانت خلصت وصفت. تفسير الثعلبي. فهي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت به عن سنة الغفلة وكلما صدرت عنها سيئة بحكم جبليتها اخذت تلوم نفسها. التعريفات للجرجاني.
وقال الغزالي وهو يصف ما ينبغي ان تكون عليه النفس بعد اداء العمل، قال: محاسبتها أي -لومها- على طاعة قصرت فيها من حق الله عز وجل فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي. وحق الله تعالى في الطاعة ستة امور وهي:- الاخلاص في العمل. والنصيحة لله فيه. ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه. وحصول المراقبة فيه. وشهود منة الله عليه. وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله، فيحاسب نفسه ويلومها...؟؟؟ هل وفّى هذه المقامات حقها وهل اتى بها في هذه الطاعة؟ وكذلك محاسبة نفسه ولومها: على كل عمل كان تركه خير من فعله. وكذلك عليه ان يحاسب نفسه ويلومها على امر مباح او معتاد لم فعله وهل اراد به الله والدار الآخرة فيكون رابحا، او اراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به. احياء علوم الدين.
وهذا نموذج رائع جدا للوم النفس وعتابها من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا حنظلة الاسدي وكان من كُتّاب الرسول – قال لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) اللفظ للترمذي ورواه مسلم ايضا. فنفسه اللوامة جعلته يقول نافق حنظلة.
والنفس قد تكون لوامة او امارة بالسوء او مطمئنة كما ذكر ذلك ابن القيم حيث قال: والنفس قد تكون تارة امارة وتارة لوامة وتارة مطمئنة بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا وهذا والحكم للغالب عليها من احوالها وكونها مطمئنة وصف مدح لها وكونها امارة بالسوء وصف ذم لها وكونها لوامة ينقسم الى المدح والذم بحسب ما تلوم عليه.
وكان الاحنف بن قيس يجيىء الى المصباح فيضع اصبعه فيه ثم يقول: حس يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ...؟؟؟ ماحملك على ما صنعت يوم كذا...؟؟ وقال مالك بن دينار رحم الله عبدا قال لنفسه الست صاحب كذا ...؟؟؟ الست صاحب كذا...؟؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم الزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائدا. وقال ميمون بن مهران لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه اشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل النفس كالشريك الخوان ان لم تحاسبه ذهب بمالك. اغاثة اللهفان.

اللهم اجعلنا ممن يحاسبون انفسهم قبل ان يحاسبوا ويوزنون اعمالهم قبل ان توزن عليهم واجعلنا من المصفين الاخيار

 حديث رمضان 15
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات