يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ


ان التناقض بين الأقوال والأفعال حالة يمقتها الله عز وجل:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ﴾( سورة الصف )

فالله سبحانه وتعالى يمقت الإنسان في حالات ويرضى عنه في حالات، لو استعرضنا بعض الحالات التي يمقتها الله عز وجل، أحد أكبر هذه الحالات أن يكون كلامك في واد وعملك في واد آخر، هذا التناقض بين الأقوال والأفعال، وهذا الكلام الذي يلقى للاستهلاك والواقع على خلافه، هذا الموقف الازدواجي، هذه الصورة ذات الوجهين المتناقضين، هذه الشخصية الازدواجية، هذه الشخصية الازدواجية تقترب من انفصام الشخصية، له شيء يقوله، أقوال يقولها، أفعاله تناقض هذه الأقوال، والحقيقة ان العالم اليوم فيه أكبر نقص في سلوك البشر الآن أن الأقوال شيء والأفعال شيء، الأقوال معسولة غالباً يعني كلمة حرية ديمقراطية يقابلها قصف، دمار، قتل، نهب، تخريب، هذا الذي يقابلها.

لذلك فان الإنسان حينما رأى أن الأقوال في وادٍ والأفعال في وادٍ( كفروا بالكلمة)، الأنبياء جاؤوا بالكلمة، الأنبياء العظام الذين قلبوا وجه الأرض بماذا جاؤوا ؟ لا جاؤوا بالطائرات، ولا بصواريخ، ولا بحواسيب، جاؤوا بالكلمة الطيبة:﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ (25) (سورة إبراهيم)

لكن هذه الكلمة صادقة ولأنها صادقة انتشرت في الآفاق:الأنبياء جاؤوا بالكلمة، والذين كفروا وألحدوا جاؤوا بالكلمة لكنها خبيثة:﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) (سورة إبراهيم).

مصيبة المصائب في هذا العصر الازدواجية في المعايير وتناقض الأقوال مع الأفعال:

حينما دعا الأنبياء إلى الله عز وجل جاؤوا بكلمة صادقة، والآن لا يصلح العالم إلا الكلمة الصادقة، يعني الكذب متفشٍ عند الناس الأصل أن الكلام كذب، الكلام خلاف الواقع، الكلام في واد والواقع في واد آخر، وهذه الازدواجية الآن لها تعبير معاصر ازدواجية المعايير، يعني دولة تفكر أن تطور مفاعلاً نووياً للشؤون السلمية تقوم الدنيا ولا تقعد، ودولة في الشرق الأوسط عندها 200 رأس نووي لا أحد ينطق بكلمة، تأخذ أسيراً تقوم الدنيا ولا تقعد، اثنا عشر ألف أسير لا أحد ينطق بكلمة، الحقيقة الازدواجية في المعايير، والأقوال تناقض الأفعال، هذه مصيبة المصائب، وهذه هي الطامة الكبرى، وهذا الذي يسقط قيمة الكلمة في الحياة، الآن أقل كلام لمن يتبجح بأقوال لا يطبقها تقول له بلا فلسفة احتقاراً له، من كثرة ما سمع الناس أقوالاً لا مثيل لها، بالواقع لا علاقة لها، بالواقع كفروا بالكلمة، والإنسان الكاذب في هذا العصر هو الذي أسهم في سقوط الكلمة، الأنبياء جاؤوا بالكلمة الصادقة:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) ( سورة الصف ).



فواجب حملة الدعوة الى الاسلام ايا كانوا أن يحذروا من أن يراهم أتباعهم على خلاف ما يدعونهم:

فإن وعظت الناس بشيء كأن الله يقول لك: يا عبدي هل أنت كذلك ألا تستحي مني ؟ ابن آدم عظ نفسك فإذا وعظتها فعظ غيرك وإلا فاستحِ مني.

فأنت ممكن تنتفع من أي طبيب و لا تعنيك سلوكياته إطلاقاً، يحمل شهادة عليا في اختصاص نادر، مستقيم، غير مستقيم، يصلي، لا يصلي، له انحرافات، متزوج، غير متزوج، له صديقة، لا يعنيك ذلك، يعنيك مختص بالعصب البصري، إلا حامل الاسلام فلا يمكن أن تصغي إليه إن رأيت تناقضاً بين أقواله وأفعاله والله عز وجل يقول:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) ( سورة الصف ).

فانه لشيء منفر من الدين من ينطق بكلام ولا يطبقه، يقول سيدنا علي رضي الله عليه: قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمَه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، الآن دققوا فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره.

ان سرّ تأثير الأنبياء المذهل تطبيقهم للكلمة قبل تبليغها:وينتهي العلم إن بقي في حيز الكلام ولم يطبق، لو سألت ما سرّ تأثير الأنبياء المذهل لادركت ان الرسول صلى الله عليه وسلم عاش في مكة والمدينة ثلاثة وعشرون سنة ثم ينتشر الدين بالخمس قارات فالنبي ما تكلم كلمة وفعل عكسها، وإن أردت أن تكون داعية للاسلام فلا تنطق بكلمة لا تطبقها، بل لا بد من الاعتقاد أنه حينما تطبق ما تقول وتخلص فيما تقول يهب الله لك قوة تأثير لا يملكها معظم الناس، قوة التأثير تأتي من أنك تقول قولاً وتطبقه.

ويقابل المقت رضوان الله، فلا يوجد شيء في الأرض يفوق أن يرضى الله عنك، رضي الله عنك، الصحابة الكرام نترضى عنهم تقريراً، أما غير الصحابة نترضى عنهم دعاءً، الفرق كبير، قد تقول رضي الله عنه يعني لقد رضي الله عنه، وقد تقول أرجو أن يرضى الله عنه، بين الدعاء والتقرير مسافة كبيرة جداً، عود نفسك أن تقول رضي الله عنه للصحابة، أما لغير الصحابة رحمه الله تعالى أقوى.

ان أعلى شيء في الجنة أن يرضى الله عنك:﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)﴾( سورة التوبة )ونسال الله ان نكون منهم.

وعطاء الله في الدنيا لمن اتبع رضوان الله أنه يهديهم سبل السلام ونسال الله الثبات.

وقال السيد قطب رحمه الله في هذه الآية(وجه سبحانه نداء إلى المؤمنين فقال: “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون”.

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روي عن ابن عباس انه قال: كان أناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه، إيمان به لاشك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به.

فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين وشق عليهم فنزلت هذه الآيات.

والاستفهام في قوله تعالى: “لم تقولون” للإنكار والتوبيخ على قول الإنسان قولا لا يؤيده فعله، لأن هذا القول إما أن يكون كذبا، وإما أن يكون خلفا للوعد، وكلاهما يبغضه الله تعالى.

والمعنى: يا من آمنتم بالله واليوم الآخر، لماذا تقولون قولا تخالفه أفعالكم بأن تزعموا بأنكم لو كلفتم بكذا لفعلتموه، فلما كلفتم به قصرتم فيه، أو أن تقولوا بأنكم فعلتم كذا وكذا مع أنكم لم تفعلوا ذلك.

وناداهم بصفة الإيمان الحق، لتحريك حرارة الإيمان في قلوبهم، وللتعريض بهم، إذ من شأن الإيمان الحق أن يحمل المؤمن على أن يكون قوله مطابقا لفعله.

وقوله سبحانه: “كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” بيان للآثار السيئة التي تترتب على القول الذي يخالفه الفعل، وقوله “كبر” بمعنى عظم، لأن الشيء الكبير لا يوصف بهذا الوصف، إلا إذا كان فيه كثرة وشدة في نوعه.

والمقت: البغض الشديد، ومنه قوله تعالى: “ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً”.

وقال سبحانه: “كبر مقتا عند الله” للإشعار بمدى هذا البغض من الله تعالى لهم بسبب مخالفة قولهم لفعلهم، لأنه إذا كانت هذه الصفة عظيمة المقت عند الله، فعلى كل عاقل أن يجتنبها ويبتعد عنها)انتهى كلامه.

يا بلبس زي ما بحكي.... يابحكي زي ما بليس

هذا ليس كلامي وانما هو للنائب اللبناني وئام وهاب وله قصة بليغة واصل القضية ان سمير جعجع المتهم الاول في قتل رشيد كرامى اعظم رؤساء الوزارة في لبنان قد سجن لهذه التهمة ...وبعد المصالحة السياسية خرج من السجن وبعد فترة طلب زيارة دار الافتاء اللبنانية وبعد زيارته لها قال وئام وهاب موجها القول للمفتي (يا يتحكي زي ما بتلبس يا بتلبس زي ما بتحكي)وربما قبل اكثر من عشر سنوات وتذكرت الحادثة والقول عندما سمعت ورايت اناسا ممن ينتسبون للقيادة (الاسلامية)يمجدون بشار ويطبلون له ولصموده وانتصاره ....فمخيم اليرموك مثله مثل مخيم الشاطىء فلماذا يطبل لمن هدم مخيم اليرموك على رؤوس اهله وبالمقابل يدعون انهم يدافعون عن مخيم الشاطىء يعمي في نهجهم ان مخيم اليرموك الفلسطيني مباح القتل فيه ومخيم الشاطىء مختلف عنه.....؟؟؟فالانفصام عن الواقع ومع الاسف لا اريد ان استعمل كلمة الكذب ولكنني استعمل كلمة التضليل السياسي والذي وصل حده لمواطاة الغاشم في سوريا بل وان رضي بان يكون مطبلا له ...انها من الامور المؤلمة والشاقة على النفس .

ولكن الخطير في هذا الامر ان تتحول هذه الانحرافات الى نهج وطريقة تفكير تنطلق من منطلق النفعية الضيقة جدا وليس الاحكام الشرعية .

حكي أن تاجرا عبر إلى حمص فسمع مؤذنا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن أهل حمص يشهدون أن محمدا رسول الله فقال والله لأمضين إلى الإمام وأسأله فجاء إليه فرآه قد أقام الصلاة وهو يصلي على رجل ورجله الأخرى ملوثة بالعذرة فمضى إلى المحتسب ليخبره بهذا الخبر فسأل عنه فقيل إنه في الجامع يبيع الخمر فمضى إليه فوجده جالسا وفي حجره مصحف وبين يديه باطية مملؤة خمرا وهو يحلف للناس بحق المصحف أن الخمرة صرف ليس فيها ماء وقد ازدحمت الناس عليه وهو يبيع فقال والله لأمضين إلى القاضي وأخبره فجاء إلى القاضي فدفع الباب فانفتح فوجد القاضي نائما على بطنه وعلى ظهره غلام يفعل فيه الفاحشة فقال التاجر قلب الله حمص فقال القاضي لم تقول هذا فأخبره بجميع ما رأى فقال يا جاهل أما المؤذن فإن مؤذننا مرض فاستأجرنا يهوديا صيتا يؤذن مكانه فهو يقول ما سمعت وأما الإمام فإنهم لما أقاموا الصلاة خرج مسرعا فتلوثت رجله بالعذرة وضاق الوقت فأخرجها من الصلاة واعتمد على رجله الأخرى ولما فرغ غسلها وأما المحتسب فإن ذلك الجامع ليس له وقف إلا كرم وعنبه ما يؤكل فهو يعصره خمرا ويبيعه ويصرف ثمنه في مصالح الجامع وأما الغلام الذي رأيته فإن أباه مات وخلف مالا كثيرا وهو تحت الحجر وقد كبر وجاء جماعة شهدوا عندي أنه بلغ فأنا أمتحنه. المستطرف في كل فن مستظرف


حديث رمضان 18 
جواد عبد المحسن

إرسال تعليق

0 تعليقات